يبدو أن التحرك العراقي، من الفلوجة، إلى الطريق باتجاه تحرير الموصل أصبح مؤجلا، وفقا لتعليمات الإدارة الأمريكية، التي بدأت تعيد حساباتها، في إطار التدخل الإيراني الصريح في معركة الفلوجة، والسيطرة على تحركات قوات الحشد الشعبي التي ارتكبت انتهاكات طائفية عديدة ضد سكان المدينة من السنة.
ورغم إعلان بريت ماكغور، الموفد الخاص للرئيس باراك أوباما لدى التحالف ضد “داعش” أمام لجنة في مجلس الشيوخ ، أنه توجه الى العراق الأسبوع الماضي ليبحث مع الحكومة العراقية الهجوم على الموصل، وحقيقة ذلك في أسرع وقت، إلا أن موعد المعركة مقيد باعتبارات وتحديات. وهي بحسب رؤية الخبير العسكري المصري، اللواء محمود عبد اللطيف، أولا تمهيد الأرض قبل المعركة، وهو ما تقوم به حاليا قوات التحالف، التي أعلنت أمس عن مقتل أكبر قائدين عسكريين لداعش في الموصل، وثانيا استيعاب دروس معركة الفلوجة التي كشفت عن نفوذ إيراني كبير ينافس النفوذ الأمريكي والغربي في العراق، من هنا فإن قراءة أحداث الساحة في الفلوجة دفعت بالإدارة المريكية للتريث باتجاه الموصل، وأيضا فرضت شروطها على الحكومة العراقية، التي تراجعت مؤخرا عن الدفع بقوات الحشد الشعبي في الفلوجة استعدادا لتحرير الموصل.
ويؤكد الخبير العسكري اللواء عبد اللطيف، للغد، أن معركة الموصل مصيرية بالنسبة لتنظيم داعش الإرهابي، وأيضا بالنسبة لمستقبل وحدة دولة العراق، وأن الجهد الأكبر لتحرير المحافظة على عاتق القوات الأمريكية، وطيران التحالف، ودون ذلك تعجز القوات العراقية عن مواجهة تنظيم داعش الإرهابي.
وأوضح اللواء عبد اللطيف أن قرار التحرك باتجاه الموصل بيد الإدارة الأمريكية، وهي تضع في اعتبارها كافة الحسابات: من التدخل الإيراني، حيث ترفض أمريكا أي دور نافذ ومؤثر لإيران، وثانيا تتحسب أمريكا جيدا لفتنة الطائفية وتكرار ما حدث في الفلوجة، وثالثا هناك تقديرات موقف وحسابات للمنالطق المحررة في المحافظة الكبرى “الموصل” مما يستوجب تحديد المواقف بين كافة الأطراف العراقية، قبل تحرير الموصل من داعش.
ويرى خبراء عراقيون، أن معركة الفلوجة، بكل تداعياتها والجرائم التي قامت بها عناصر الميليشيات الايرانية، وقيام قاسم سليماني بقيادة المعركة، ومشاركة الحرس الثوري الايراني وفيلق القدس، تنبهت لها إدارة اوباما، وأسرعت فورا لتغيير قواعد اللعبة هناك، فسحبت الحشد الشعبي ومنعته من الدخول الى عمق الفلوجة، وأبلغت العبادي بضرورة مغادرة سليماني العراق فورا، وقالت له بالحرف الواحد “اما نحن او سليماني في الفلوجة”، بحسب تعبير المحلل السياسي العراقي عبد الجبار الجبوري، وهكذا تم حسم معركة الفلوجة بعد ابعاد الميليشيات وسليماني بدون مشاكل، واليوم تتجه نحو استعادة الموصل بنفس سيناريو الفلوجة، أي بلا حشد.
ويشير “الجبوري” إلى أن خطر المليشيات على إنجاح معارك أمريكا على داعش، أصبح واضحا، فقد كانت سببا في فشل دحر داعش وهزيمته، لسببين رئيسين وهما، أن الشارع العراق لا يتقبل ويعرف جرائم الميليشيات اذا شاركت، والسبب الآخر أن الميليشيات لا تمتلك أسباب النصر العسكري، لأنها تقاتل باسم المذهب والعقيدة، ولم تقاتل باسم الولاء للعراق، ناهيك ضعف ادائها العسكري، وقلة خبرتها العسكرية، كونها ميليشيات غير مدربة، وتفتقر لعنصر المباغتة والهجوم والتنظيم العسكري، وقراراته مرتجلة بعيدة عن الخبرة العسكرية، اي بلا خطة واضحة، وهكذا كل معركة يشارك فيها الحشد مصيرها الهزيمة.
ويؤكد الخبير العراقي، أن معركة الموصل بدأت تلوح ساعات انطلاقتها.. ولكن معركة الفلوجة أثبتت حقائق، ومعطيات لا يمكن تخطيها، فالمعركة اشتركت فيها قوى عظمى وتحالف دولي بكل ثقله العسكري وطائراته واسلحته الحديثة والمتطورة، وجيش جرار وحشد يقوده قاسم سليماني وميليشياته الطائفية، أمام عناصر وعصابات قدرتها وزارة الدفاع العراقية بـ 900 مقاتل.. وتساءل: لماذا انهزمت قوات الجيش وتأخر تحقيق نصر سريع، بعد أن قدم الاف الضحايا من الجيش والشرطة، وعشرات من قتلى الحشد الميليشياوي وجنرالات الحرس الثوري، ومنهم شقيق أحمد نجاد الرئيس الايراني السابق، فهل كان داعش وحده يقاتل هناك، أم أن هناك جماعات أخرى تقاتل معها، أو بدونها؟ ولكن السبب راجع إلى أن كل ما يربحه الجيش العراقي عسكريا، يبدده الحشد الطائفي أخلاقيا وعمليا.. وكان شعب الفلوجة يقاتل داعش والميليشيات.
أما معركة الموصل المرتقبة، فإن الأمر سيكون أقل وطأة، على أهل الموصل، وأشد قسوة على داعش، لأن أهداف أمريكا تحقيق نصر فوري، قبل الانتخابات الرئاسية، بأقل الخسائر وبلا جرائم ميليشيات، تفسد طعم النصر الأمريكي في الموصل، على عكس ما جرى في معركة الفلوجة. ولذلك من المتوقع أن تكون معركة الموصل سريعة، ولكنها صعبة ومعقدة جدا، وربما تكون المعركة الأخيرة لأمريكا في المنطقة، لأن داعش سينهار بعدها في كل مكان، بكل تأكيد، فهو يعتبر الموصل عاصمة خلافته المزعومة، وضياعها يعني زوالها.
وهناك حسابات أمريكية أخرى ، ربما ساهمت في تأجيل معركة الموصل، حيث تواجه خطط الإدارة الأميركية عقبات في رسم مستقبل محافظة نينوى بعد طرد التنظيم، وسط مخاوف من نشوب أزمات توصف بأنها «قنابل موقوتة» بين أطراف المعادلة حول إعادة رسم خريطة المحافظة الجغرافية والإداري، بحسب تعبير عبد الجبار الجبوري، ويلف الغموض مصير معظم الأزمات التي خاضتها المحافظة في أعقاب سقوط النظام العراقي السابق عام 2003، في ظل واقع جديد فرضه ظهور تنظيم «داعش» يتمثل بالهواجس من اندلاع عمليات انتقامية ضد مجتمعات متهمة بمساندة التنظيم، وتصاعد مطالب الأقليات والطوائف التي تقول أنها تعرضت لحملات «إبادة» في المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان وبغداد بتحويل مناطقها إلى محافظات مستقلة.
كما تتقــــاطع الأطراف السياسية المحلية في بلورة الخطوط العريضة للتفاهمات حول الحدود الإدارية ومصيرها، في ظل خلافات معلقة مع الحكومة الاتحادية حول الصلاحيات والقرارات المركزية، وتتــــركز المطالب الكردية في وضع خطــــة واضحة لمستقبل نينوى قبل الخوض في جهود طرد «داعش»، وتقسيمها إلى ثلاث محافظات، في سنجار التي تقطنها غالبية من الإيزيديين، وكذلك في منطقة سهل نينوى حيث يقطنها خليط من الإقليات الإيزيدية والمسيحية والشبك الأكراد، ومنحها خيار الانضمام إلى إقليم كردستان، وهو ما تعارضه أطراف مؤثرة في الموصل وكذلك الحكومة الاتحادية في بغداد.
