السد العالي.. حلم «عبد الناصر» أنقذ مصر من كارثة الفيضان ومخاطر الجفاف

في قلب مأساة الكارثة التي ضربت وتضرب السودان بمياه الفيضان، كان الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر، حاضرا  بمشروعه القومي (السد العالي)، وعلى لسان  امرأة سودانية عجوز، وهى تبكى من هول الفاجعة وتقول: إن السودان يبحث عن زعيم فى حجم عبد الناصر، لكى يجنب السودانيين مثل هذه الكوارث التى كانت تتعرض لها مصر قبل بناء السد العالي .

«المأساة ـ الكارثة» في السودان

ويعيش السودان منذ أيام كارثة طبيعية بسبب فيضان نهر النيل نتجت عنها أزمات إنسانية مع وفاة العشرات من ضحايا الفيضان، وهدم أكثر من مئة ألف منزل، جزئيا أو كليا، في 16 ولاية، واختفت مدن كاملة تحت المياه، و تضرر أكثر من نصف مليون شخص، وتم إعلان حالة الطوارىء لمدة 3 أشهر.. فيضانات هذه السنة هي الأكبر والأشد ضررا، متجاوزة في دمارها فيضانات عامي 1946 و1988 التي كانت تعتبر الأسوأ، إذ وصل الفيضان مناطق لم تصلها مياه النهر من قبل، وما زالت مناطق أخرى في مجرى النيل مهددة، مع تواصل ارتفاع منسوب المياه.

نفس الصورة المأساوية، كان من الطبيعي أن تشهدها مصر قبل بناء السد العالي..ونفس الصورة، بمشاهدها وفصولها «السوداء القاسية» كانت تضرب صعيد مصر، على امتداد (1200 كم تقريبا) كل سنة وقبل بناء السد العالي، وهو ما تذكرته بالحسرة «إمراة سودانية» عجوز، ضرب الفيضان أحوال أسرتها، فدمر ممتلكاتها  وشردها.

 

حلم راود عبد الناصر

كانت البداية لإنقاذ مصر وبناء مستقبلها..على لسان عبد الناصر، وهو يؤكد: « إن الشعب الذى بنى الأهرام إجلالًا للموت، قادر على بناء السد هرمًا جديدًا، تقديرًا وتكريمًا للحياة».. تلك الكلمات كانت تعبيرًا عن حلم راود عبد الناصر، لبناء أكبر سد مائي يحفظ  حق مصر الاستراتيجي من مياه النيل، وبات الحلم ملحمة سطرها الشعب منذ نحو نصف قرن.

حسم الأمر لصالح السد العالي

والحقيقة أن مشاهد كثيرة جرت فى القارة الأفريقية، سواء كانت فيضانات أو جفافا، حسمت الأمر لصالح قيمة وأهمية السد العالى ..حسم الجدل لصالح مشروع السد العالى، وتراجع حديث تصفية الحسابات السياسية حول المشروع   الهندسي الأهم فى القرن العشرين، وتيقن كل مصرى طبيعى أن السد العالى كان مشروعًا قوميًا عظيمًا، لأنه كان من الشعب ولصالح الشعب، وأنه حمى مصر من جفاف قاتل فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى ومن فيضانات مدمرة معظم الوقت، وأنقذ حياة ملايين المصريين من موت وخراب ديار.

 

تحولت مصر من دولة خاضعة للنهر لدولة متحكمة فيه

واختير السد العالي كأعظم مشروع بنية أساسية في العالم خلال القرن العشرين، وسبب اختياره أنه غير مصير شعب بأكمله من دولة خاضعة للنهر لدولة متحكمة فيه من أجل التوسع الزراعي وتوليد الكهرباء..مشروع مرتبط بأمن مصر المائي، وقد نجح المصريون في ترويض النهر، وفيضانه العالي، أو انخفاض منسوبة وتسببه في الجفاف.

وهكذا .. بحسب تعبير خبراء السدود ـ فقد أنقذ عبد الناصر مصر من شبح  مجاعة الجفاف، ومن كارثة الفيضان.

 

فوائد وإنجازات السد

ولعل الإنجاز الأبرز للسد العالي، هو منع كوارث الجفاف والمجاعات عن مصر فى الفترة بين 1979 و1987، ووفر 70 مليار متر مكعب من مخزون بحيرة ناصر المتفرعة عنه لتعويض العجز السنوى فى الإيراد الطبيعى لنهر النيل، كما حمى مصر من أخطار الفيضانات العالية التى حدثت فى الفترة من 1998 إلى 2002 ، كما حافظ على الأراضي من التدمير بسبب الفيضانات.

وساهم السد العالي في تحويل مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية من رى الحياض إلى رى دائم، وزيادة مساحة الرقعة الزراعية من 5.5 إلى 7.9 مليون فدان، واتسعت زراعة المحاصيل الزراعية نتيجة نوفر المياه، ويمد ربوع مصر بالكهرباء خلال المحطات الكهرومائية بالسد، إذ يتم توليد الكهرباء  منه بإجمالي 2100 ميجاوات، مما ساهم في طفرة صناعية هائلة لمصر بعد توفر الطاقة  الكهربائية.

ملحمة علم وسياسة

السد العالى ملحمة علم وسياسة وإنجاز فى ظروف غاية فى الصعوبةبحسب تعبير الخبير الاستراتيجي،د. عمرو الشوبكي، سواء بمسار تمويله الذى أدى إلى تأميم قناة السويس وهزيمة القوى الاستعمارية، أو عبقريته الفنية، ويقينا فإن السد العالى حمى مصر من أخطار وجودية، و نجح فى التحكم فى تدفق مياه الفيضان، وتحجيم  ومواجهة آثار الفيضان ، كما قللت بحيرة ناصر من اندفاع مياه الفيضان وخزنتها للاستفادة منها فى سنوات الجفاف.

والسد العالي سوف يظل تجسيدا لملحمة الإٌرادة المصرية ( من القيادة والشعب)، وربما كانت البداية في الساعة الثانية من صباح يوم 21 يوليو/ تموز 1956، حين هبطت الطائرة القادمة من يوغسلافيا فى مطار القاهرة بالرئيس عبد الناصر، ورئيس الوزراء الهندى «نهرو»، وكان العالم ما زال على ترقبه لرد الفعل العملى لمصر نحو إعلان أمريكا والبنك الدولى سحب تمويل مشروع السد العالي.

التفكير في قرار تأميم القناة

قيادات الدولة كلها فى انتظار عبد الناصر لحظة وصوله إلى المطار، وكذلك السفراء وبينهم السفير الأمريكى «هنرى بايرود» الذى كان يقضى آخر أيامه فى مصر بعد قرار نقله إلى جنوب أفريقيا، وراح عبد الناصر ونهرو يصافحان المستقبلين، وحين وصل «عبد الناصر» إلى « بايرود»، لم يكن لدى «بايرود» تعليق سوى قوله: «سيدى الرئيس إننى حزين جدا»، ولم يعلق عبد الناصر..ويروى سامى شرف مدير مكتب عبد الناصر، شهادته عن تلك اللحظات التى قادت إلى قرار تأميم قناة السويس، حين التفت إليه عبد الناصر وقال له: «بكرة تصحى بدرى وتجيب المجموعة اللى جهزت دراسات قناة السويس، كل منهم على حدة ولا تستخدم التليفونات أو وسائل الاتصال العادية وتستنى منى تعليمات».

 عبد الناصر ونهرو

دخل عبد الناصر بيته قرب الفجر ولم ينم، وفى الصباح كان عليه أن يعقد اجتماعا مع «نهرو»، وأن يتغدى معه فى السفارة الهندية، واتصل «نهرو» فى الصباح يرجوه ألا يشغل باله به، وأصر عبد الناصر على أن يسير برنامج «نهرو» كما كان مرسوما له، وعلى الغداء فى السفارة الهندية كان الحديث مركزا على نقطة واحدة وهى مقاصد اللهجة المهينة التى صيغ بها التراجع الأمريكى عن المساهمة فى تمويل السد، وكان اتفاق الرجلين على أن هذه اللهجة هى بداية سياسة وليست نهاية سياسة.

و أشار له عبد الناصر إلى نوع من فرض السيطرة المصرية على مرفق قناة السويس. فرد نهرو: هذا القرار يعنى الحرب.. فهل أنتم مستعدون؟ على العموم نحن تحت أمركم، واعتبرونا معكم فى أى معركة ستواجهها مصر، وأنه يتوقع أن مصر مقدمة على ظروف صعبة وقاسية سوف تشغل القيادة، ويفضل العودة إلى بلاده حتى يترك الوقت للقيادة المصرية لترتيب أمورها واتخاذ القرار الذى يكفل حقها وكرامتها مع تأكيده على استعداده لتقديم أى عون تطلبه مصر.

تطوّع الشعب المصري لتنفيذ المشروع القومي

وصدر قرار تأميم قناة السويس، لتوفير مورد تمويل لبناء السد العالي، ومع تزايد التحديات أمام الحكومة المصرية وقتها لإنجاز المشروع زاد إصرار المصريين لمساندة القيادة السياسية والتكاتف معا بالتطوع في العمل في مشروع السد العالي بأسوان، رغم بعد الموقع عن العاصمة المصرية القاهرة. (بنى السد 34 ألف مصري..عامل ومهندس),.وفي27 أغسطس/آب 1960 نجحت مصر في التوقيع مع الاتحاد السوفيتي على قرض لاستكمال المرحلة الثانية من المشروع.

وتبلغ تكلفة بناء السد العالى الإجمالية نحو مليار دولار (شطب ثلثها من قبل الاتحاد السوفييتى)، فيما عمل فى بناء السد نحو 400 خبير سوفييتي.. ويبلغ  طول السد 3600 متر، وعرض القاعدة 980 مترا، وعرض القمة 40 متراً، والارتفاع 111 مترا. وحجم جسم السد 43 مليون متر مكعب من إسمنت وحديد ومواد أخرى.

 

 توفير الرصيد الاستراتيجي للمياه

ووفر السد العالي  لمصر رصيدها الاستراتيجي في المياه، بعد أن كانت مياه النيل من أشهر الفيضانات تذهب سدى في البحر المتوسط، عدا 5 مليارات متر مكعب يتم احتجازها، وفقا للتقارير دولية..والمياه المحجوزة أمام السد العالي، تكون بحيرة صناعية كبيرة (بحيرةناصر) طولها 500 كيلومتر، ومتوسط عرضها 10 كيلومترات، وسعة تخزينها الكلية تصل إلى 162 مليار متر مكعب، منها 30 مليارمتر مكعب لاستيعاب الطمي، بعد استمرار رسوبه لعدة قرون، و37 مليار متر مكعب لمواجهة الفيضانات العالية.

 

 تحويل مجرى النيل

وفي 9 يناير/ كانون الثاني 1960 وضع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، حجر الأساس في السد العالي، لتنطلق المرحلة الأولى التي تم فيها تحويل مجرى النيل، واستمرت 4 سنوات، حتى تم غلق مجرى نهر النيل القديم، وإنشاء الأنفاق ومحطة الكهرباء، ودخول المياه في مجرى التحويل الجديد.

بدأ السد العالي في تخزين المياه عام 1964، واكتمل بناء السد  عام 1968، وثبت آخر 12 مولد كهرباء في 1970، وافتتحه رسميا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في يناير/ كانون الثاني عام 1971.

الاعتذار للزعيم

ويقول الكاتب الصحفي مرسي عطا الله، رئيس تحرير الأهرام المسائي سابقا، «ليت الذين تفرغوا طوال الـ 50 عاما الماضية، التى أعقبت رحيل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، للسعى لتشويه مسيرته، أن يرتدوا ثياب الخجل والحياء بعد ذلك الذى شهدناه مؤلما ومفزعا من كوارث ونكبات حلت بالشعب السودانى نتيجة ارتفاع مستوى الفيضان فى نهر النيل هذا العام.. ليتهم يستحيون».

«إن الشجاعة الأدبية تقتضى من خصوم عبد الناصر،  أن يتقدموا باعتذار لشعب مصر عما اقترفوه من إساءة لتاريخ مجيد من العمل الوطنى.. وليس السد العالى سوى أحد شواهده التى ستظل تخرق عيون الجاحدين».

 

 

 

 

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]