الشاعر المصري حسن طلب يكتب: «تراتيل شعرية في وداع زويل»
كتب الشاعر المصري الكبير حسن طلب، الحاصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2014، رثاء للعالم المصري الجليل أحمد زويل، الذي شيع جثمانه اليوم إلى مثواه الأخير في جنازة عسكرية ومراسم وداع شعبي مهيبة.
وكتب طلب، عضو هيئة التدريس بجامعة حلوان، المولود عام 1944 بمحافظة سوهاج في جنوب مصر، تحت عنوان «تراتيل شعرية في وداع أحمد زويل»، «لم أجد ما أقدمه ونحن نودع اليوم العالم الفذ الدكتور أحمد زويل؛ سوى مقاطع اخترتها على غير ترتيب من ديواني المهدى إليه: (حجر الفلاسفة).. المكتوب عام 2000 عقب فوزه بجائزة نوبل 1999.. والمنشور عام 2006؛ وكنت قد التقيت العالم الراحل عام 2007 بصحبة مجموعة من الأدباء بينهم الشاعرة الصديقة ميسون صقر؛ التي أخبرته بأمر الديوان فوعدته أن أقدم إليه نسخة منه؛ ولم أستطع أن أفي بالوعد للأسف؛ فعسى أن تكون هذه المقاطع تلاوة شعرية على روحه؛ يرتلها اللاحق للسابق!».
مضيفًا عدة مقاطع شعرية:
طائِفةٌ عارفةٌ قالتْ
إن المعرفةَ حريقٌ يَنشِبُ بين ضلوعِ المرْءِ..
وإنَّ العِلمَ شَهادَة
والعالِمُ: من ينعَمُ بالوصِل.. ويمضِي
لِيُخلِّفَ بعد الوصلِ: رمادَهْ!
***********************
يا أيها الماهِرْ
معذرةً إن كنتُ لم أفهمْ مِن اختراعِكَ الرَّائعِ
حرفًا واحدًا!
عفوا.. فلو– لحِظِّكَ العاثِرْ–
كنتُ أنا العالِمُ.. ثم أنتَ كنتَ الشاعِرْ
فربما كنتَ ستحتارُ كما احترتُ أنا
أمام كلِّ هذه الأرْقامِ والمُعادَلاتِ.. والعلاماتِ..
وآلافِ الجُزيْئاتِ.. وأصنافِ العناصرْ!
معذرةً.. فالجهلُ يا أخِي عَدوٌ
وهوَ مثلُ الجُوعِ: كافِرْ!
*****************
يا أيها السَّاخِرْ
كيف اغتَربْتَ بغتةً!
ثم متى نَحتَّ بالأظافِرْ
مادَّةَ هذا النَّفقِ الهائِل ما بيْنَ “دمنهورَ” وأمريكا؟
وهل أردْتَ أن تضحكَ من ثقافِة الآخَرْ!
حين نظرتَ– رابطَ الجأْشِ- إلى هذا العُبابِ الزَّاخِرْ
ثم تَجرَّأْتَ وألقيْتَ به نفسَكَ..
غير عابئٍ باللُّججِ الزرقاءِ أو بالسُّفنِ المواخِرْ!
أم هل تُرى أردتَ أن تضحَكَ مِنَّا
عندما أهْديْتَنا هذا الوِسامَ الفاخِرْ!
********************
يا أيها المغامِرْ
نحن صديقانِ.. وإنْ لم نَصطحِبْ!
نعمْ صديقانِ وإن كُنَّا بعيديْنِ..
فلا يجمعُنا خانٌ ولا تضمُّنا قَرْيَهْ!
نحنُ صديقانِ حميمانِ..
وما زَعْمُ اختلافِنا سوَى فِريَهْ!
ورُبَّما المُصادَفاتُ وحدَها
هي التي أوحَتْ إلىَّ الآنَ:
أن أبحثَ في اللفظَةِ عن إِكْسيرِها المُفتَقَدِ..
الذي به تنصَهرُ الحِليةُ فى البنيَهْ
عن شاهدٍ أشمُّ من خلالِهِ طزاجَةَ الأشياءِ
في الأسماءِ والضَّمائرْ!
في ذاتِ ذا الوقتِ الذي أوحتْ إليك فيهِ..
أن تبحثَ فى الخليَّةِ الحيَّهْ
عن شاهدٍ يُضىءُ وجهَ العُملَةِ الآخَرْ!
لعلّها المصادفاتُ.. أو إذا أردتَ قُلْ هى النيَّهْ
لعلَّهُ قد وقعَ الحافِرُ يا أخي على الحافِرْ
لعله توارُدُ الخواطِرْ!
*****************
يا أيها الثَّائرْ
متَّهَمٌ أنتَ بتقطيعِ الأواصِرْ
فقد رَوَوْا- إنْ صدَقتْ عَنْعنةُ القصِّ
وإن صحَّ التَّواتُرْ-
عن جَدِّك الأوَّلِ.. عن أبِيهِ.. عن جدِّ أبيهِ..
عن وليٍّ من عبادِ اللهِ..
عن جاريَةٍ شقراءَ في قصر أخيهِ
ثم عن حاجبِ هذا القصرِ:
قال جدُّكَ العاشِرْ:
لا عِلمَ في الدنيا لمن لا يفقَهُ الدينَ..
ويوم يُبعثونَ يضحكُ الفائزُ ما شاءَ مِن الخاسِرْ
يومئذٍ تُبلَى السَّرائِرْ
وقال: إنّ العلمَ في الرأسِ وليس في الدفاتِرْ!
فذهبت قَوْلَتُهُ كالمثَلِ السائِرْ!
ثم تَلا ما جاءَ مِن أوَّلِ “يَا سينَ”
إلى “ألهاكُمُ التكاثُرْ”
…………………..
كيف إذن خرجتَ
عن قانُونِ هذا الفلكِ الدائِرْ!
يا صاحبي: مُتَّهمٌ أنتَ.. فلا تُكابِرْ!
****************************
وُلدَ العلمُ كفِيفًا.. لم يعرفْ أينَ هُدَاهُ!
فلما شبَّ عن الطَّوْقِ..
تلمَّسَ– بعد الغَيَ– رشادَهْ
قال الفلكيُ: ولكنِّي دقَّقتُ ولاحظتُ كثيرًا
حتى صِرتُ وفي ظنِّي: ما زالَ العلمُ ضريرًا
إذْ لم يبلُغْ بعدُ مَداهُ..
ولا بلغَ العالِمُ منهُ مُرادَهْ!.
