تتفق الدوائر السياسية في واشنطن، على أن انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكي (ذي الأغلبية الجمهورية)، التى ستُجرى غدا الثلاثاء، ستكون الأهم فى تاريخ هذه الانتخابات منذ أكثر من نصف قرن، حيث يواجه الرئيس ترامب، ما وصفته تلك الدوائر بـ «الاستفتاء الشعبي»، وترقب إصدار الناخب الأمريكي حكما على الرئيس ترامب.
- وبينما جاب جيش من الناشطين والمرشّحين الديمقراطيّين والجمهوريّين الولايات المتّحدة، أمس الأحد، للحشد للانتخابات التي تأمل المعارضة الديمقراطيّة في تحويلها إلى رفض وطني لترامب بعد عامين من انتخابه.. يواصل الرئيس الأمريكي ترامب، جولته في أنحاء الولايات المتّحدة لمنع فوز الديمقراطيّين في الانتخابات التشريعية، لأنه يعي أنّ اقتراع الثلاثاء يشكّل استفتاء على رئاسته، فيما دعا سلفه الرئيس السابق باراك أوباما، إلى مواجهة أكاذيب الجمهوريّين «الوقحة»
5 مليارات دولار تكلفة «المنافسة الشرسة»
المنافسة «الشرسة» بين الديمقراطيين والجمهوريين، سجلت رقما غير مسبوق في الولايات المتحدة الأمريكية، للانفاق على الدعاية الانتخابية (أكثر من خمسة مليارات دولار) من المعسكرين للتأثير على تصويت الأمريكيين، ويأتي تدفّق المال والحماسة أكثر من جانب الحزب الديمقراطي، لأنه يدرك أنّ الاستحقاق الانتخابي الوطني الأوّل عادةً ما يكون معاكساً للحزب الحاكم، (وسبق أن خسر كلّ من أوباما في 2010 وجورج بوش في 2006 وبيل كلينتون في 1994 ورونالد ريجان في 1986، أغلبيتهم في مجلس النواب في انتخابات منتصف الولاية). ويعوّل الديمقراطيون، على تصويت عقابي ضدّ الرئيس ترامب، ووصفوه بأنّه «رجل كاذب، والرئيس الذي قَبَرَ نظام الضمان الاجتماعي وحفّز اليمين المتطرّف»
«الموجة الزرقاء».. و«الجدار الأحمر»
وأقرّ نائب الرئيس، مايك بنس، بالمنافسة الشرسة مع الديمقراطيين، وبخطر حدوث «موجة زرقاء»، أي ديمقراطية.. ودعا أنصاره إلى عدم الامتناع عن التصويت، متكهّناً بأنّ «الموجة الزرقاء ستتكسّر على جدار أحمر»، في إشارة إلى اللون الذي يرمز إلى الحزب الجمهوري..والسباق يختلف كثيراً بين غرفتي الكونجرس الأمريكي (البرلمان)، ففي مجلس النواب يتعيّن على الديمقراطيين كسب 23 مقعداً إضافياً، وتمنح استطلاعات الرأي أفضليّة على المستوى الوطني للديمقراطيين في هذا المجلس، وبحسب استطلاعات الرأي، سيحصل الديمقراطيون على 50% من الأصوات، مقابل 43% للجمهوريين..وفي مجلس الشيوخ، يجري التنافس على 35% مقعد لولاية من ستّ سنوات، ويتوقع الجمهوريون أنّ «الأفضليّة لهم لأنّ الاقتراع سيجري خصوصاً في ولايات محافظة»، وفي نفس الوقت يُقرّ الديمقراطيون من جهتهم بأنّ احتمال سيطرتهم على مجلس الشيوخ ضعيف.
- وفي حال فوز الديمقراطيين بمقاعد الأغلبية، سوف تجد الولايات المتّحدة نفسها مع كونجرس منقسم بين الحزبين. ومن شأن ذلك أن يعرقل ترامب الذي سيجد نفسه في وضع مربك مع الكونجرس خلال الـ22 شهراً التي تسبق الانتخابات الرئاسية المقبلة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.
حماس استثنائي بين الناخبين للتصويت
ويتوقع محللون أمريكيون، أن الحزب الديمقراطي سيكون لديه قدرة محدودة على إحداث تغيير مع ترامب في البيت الأبيض، ومن المرجح أن يبقى مجلس الشيوخ في يد الحزب الجمهوري.. وكشف استطلاعا أجرته «مؤسسة بيو» الأمريكية، أن هناك حماساً استثنائياً بين الناخبين للتصويت، هذه المرة، في سابقة لم تحدث منذ سنوات وربما عقود، وأن أداء ترامب هو أحد العوامل الرئيسية وراء ذلك الحماس.
استفتاءً على ترامب
ويرى سياسيون ومراقبون، أن الانتخابات التشريعية الأمريكية، غدا الثلاثاء، ستكون استثنائية ليس فقط لأن هناك حماساً استثنائياً بين الناخبين، بل لتأثير نتائجها على مجمل السياسات الداخلية والخارجية، فالانتخابات التشريعية التى يتم فيها كل عامين اختيار مَن يشغلون كل مقاعد مجلس النواب وثلث مقاعد مجلس الشيوخ، عادة ما يكون اهتمام الناخبين بها محدوداً، فالذين يهتمون بالخروج للتصويت فيها، حين لا تصاحبها انتخابات رئاسية، هم تقليدياً الأكثر ارتباطاً من الناحية الأيديولوجية بكل من الحزبين الكبيرين، ولكن «الحماس الاستثنائي» في هذه الحالة، يرجع إلى أن المؤيدين لأداء الرئيس ترامب، مثل الغاضبين منه متحمسون للتصويت بناء على رأيهم فيه، مما قد يجعل تلك الانتخابات استفتاءً على ترامب.
- ولو استطاع الحزب الديمقراطى، حزب الأقلية حالياً، أن يفوز بمقاعد الأغلبية، فقد يضع الكونجرس كوابح تحد من قدرة الرئيس على إحداث تغييرات مهمة فى السياسات الأمريكية، عبر إصدار التشريعات أو الامتناع عن إصدارها، وعبر عرقلة تعييناته للمناصب المهمة، خصوصاً القضائية ـ بحسب تعبير د. وحيد عبد المجيد، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ـ وربما يعنى فوز الحزب الديمقراطي، البدء فى إجراءات عزل الرئيس ترامب حال أثبتت التحقيقات الجارية الآن تورطه.
انتخابات تحدد مصير الأمريكيين
وتظل تلك الانتخابات بالغة الأهمية لسبب أكبر هو أنها يمكن أن تحدد اتجاه المستقبل فى الولايات المتحدة، أى مصير الأمريكيين عموماً، وليس ترامب فقط. لأن احتفاظ الجمهوريين بالأغلبية فى المجلسين سيكون، حال حدوثه، مؤشراً مهماً إلى أن «الشعبوية» التى تستهين بالمؤسسات الدستورية تلقى قبولاً، وأن فوز ترامب قبل ما يقرب من عامين لم يكن لحظة عابرة، وأن الأمريكيين يتجهون لفترة قد لا تكون قصيرة فى اتجاه مغاير لذلك الذى أتاح للولايات المتحدة أن تصبح القوة الأكبر فى العالم.
