انتخابات الرئاسة التونسية.. ماذا يرى المراقبون؟

يعد نظام الحكم الحالي في تونس، والذي انبثق عن دستور 2014، نظاماً هجيناً يتأرجح ما بين البرلماني والرئاسي، ويراه البعضُ “بدعة تونسية” خالصة تمت صياغتها على مقاس الحَراك الثوري التونسي دون مراعاة تبعات ذلك على الدولة والمؤسسات.

وأسس دستور 2014 لما يعرف بالنظام الجمهوري البرلماني المعدل، والذي لا يطبق في أي مكان حول العالم سوى تونس، وهو نظام ينص على انتخاب رئيس الجمهورية من خلال الاقتراع الشعبي المباشر لمدة خمس سنوات ولكن دون صلاحيات حقيقية.

ويتولى الرئيس تمثيلَ الدولة وضبطَ السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة، إلا أنه لا يمكنه أن يعلنَ الحرب أو السلمَ دون موافقة رئيسي مجلس النواب والحكومة وأغلبيةِ ثلاثة أخماس أعضاء البرلمان .

كما أنه لا يمكنه حتى تعيينِ وزيري الدفاع والخارجية، ويقتصر الأمرُ على أخذ مشورته من جانب رئيس الحكومة.

أما رئيسُ الحكومة فيتم تسميتُه من جانب الحزب أو الائتلاف الانتخابي الحاصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان، ويتولى رئيسُ الحكومة تعيينَ أو إعفاءَ الوزراء، وضبطَ السياسة العامة للدولة.

ولا يجوز الإطاحةُ برئيس الحكومة إلا من خلال موافقة الأغلبية المطلقة لأعضاء البرلمان.

أما مجلس النواب فيتولى مراقبةَ أداء الحكومة ومساءَلتِها، ويمِلك حقَ منحِ الثقة أو سحبها من الحكومة، كما يتولى البرلمانُ تعيينَ أعضاء المحكمة الدستورية العليا، فضلا عن انتخاب الهيئات الدستورية، مثل: هيئة الانتخابات وهيئة حقوق الإنسان وهيئة مكافحة الفساد وغيرها.

ويملك البرلمانُ الحقَ في المصادقة على مشاريع القوانين فضلا عن المصادقة على المعاهدات الدولية.

وفي هذا السياق، قال أستاذ القانون الدستوري في جامعة منوبة، الدكتور عثمان بلحاج، إن دستور 2014 هو أحد أسباب الأزمة السياسية في تونس، إذ أنشأ نظاما مغلقاً غير قادر على التعامل مع الأزمات التي تطرأ، كما هو واقع الحال، إذ لا يوجد في الدستور مخرجاً للوضع الحالي.

وأضاف بلحاج، خلال لقاء ببرنامج مدار الغد، أن الرئيس التونسي، قيس سعيد، بعد تطبيقه الفصل 80 من الدستور اعتبرت الأغلبية البرلمانية أنه خروجاً عن الدستور، على اعتبار أنه لم يطبق الفصل حسب ما ورد في النص، متابعاً أن من أسباب الأزمة التونسية هو تعاطي حركة “النهضة” مع الدستور، فرغم أن رئيس الحكومة هو الشخصية الرئيسية في النظام السياسي البرلماني إلا أنه في تونس “شخصية هامشية” بالنسبة لرئيس حزب النهضة، وهو ما تكرر من يوسف الشاهد وهشام المشيشي.

وتابع أن رئيس الحكومة المقال، هشام المشيشي، تصرف وكأنه خادم لدى رئيس حركة النهضة وليس كرئيس حكومة في نظام برلماني، متابعاً أن “النهضة” وجدت كل مرة ائتلافا يدعم ممارساتها وتعسفها على الدستور.

واعتبر بلحاج أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الرئيس التونسي كان يجب القيام بها، معرباً عن اعتقاده بأن الأزمة ليست في اختيار شكل النظام السياسي، إنما في الحكام والصلاحيات التي منحها لهم الدستور والتطبيق.

فيما أوضح القيادي في التيار الشعبي، محسن النابتي، أن تونس تضررت من دستور 2014، حيث جاء في إطار تقاسم السلطة على طريقة “طائفية”، واعتبره نسخة مشوهة من الدستور العراقي واللبناني، حيث تتعدد رؤوس السلطة.

وتابع النابتي أن دستور 2014 خلق ما يعرف بـ”حكم الأحزاب”، وبالتحديد حكم حركة النهضة، وكأن من يعطي الحكومة الشرعية ويسحبها هو مجلس شورى النهضة، كما رأى أن النظام السياسي التونسي أفرز الأزمات وعطل الدولة وحولها إلى غنيمة تتقاسمها الأحزاب، مؤكداً أن الدستور أحد العوامل التي ساهمت تفاقم الأزمة السياسية وإرباك المؤسسات.

ولفت إلى أن هناك أزمة فساد في تونس، وبعضها يرتقى إلى الخيانة فيما يتعلق بتدمير الاقتصاد الوطني واختراق المؤسسات، مؤكداً أن “النهضة” مسؤولة عن الخراب الذي تعيشه تونس حاليا، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وأنها أوصلت البلاد إلى حافة الهاوية على كافة المستويات.

واستطرد النابتي أنه لا يجب ربط الفساد الذي وقع خلال الـ 10 أعوام الماضية فقط بالخلل في الدستور والقانون الانتخابي، مؤكداً أنه يجب تطهير الحياة السياسية من الفساد والأحزاب الممولة من الخارج والتي اخترقت مؤسسات الدولة من أجل البدء في الإصلاح.

وتابع أن المطلوب الآن هو تغيير النظام السياسي والذهاب باتجاه توحيد السلطة التنفيذية، إما عبر نظام برلماني صرف أو نظام رئاسي عبر استفتاء شعبي.

من جانبه، رأى مدير المركز المغاربي للبحوث والتنمية، جلال الورغي، أن ما تشهده تونس ليس أزمة دستورية فقط، بل أزمة سياسية شاملة، ورأى أن “النهضة” لم تستفد من دستور 2014، إذ لم تشكل الحكومة رغم حصولها على الأغلبية.

وأوضح أن هناك عدم قدرة من الأحزاب السياسية على القبول بنتائج صناديق الاقتراع، لافتا إلى أن رئيس الحكومة منذ 2014 يتم انتخابه من خارج البرلمان.

ولفت إلى أن دستور 2014 كان نتاجا لتوافق شامل، حيث أيده 202 من بين 217 نائبا، بدعم من الاتحاد العام للشغل ومنظمات المجتمع المدني.

وأضاف الورغي أن هناك تجاوزات وقع فيها رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، بتدخله في السياسات الخارجية للدولة.

وأشار الورغي إلى أن ينقذ رئيس الجمهورية البلاد من أزمة سياسية هو أمر مطلوب، إلا أنه يجب عدم ترك الأمور دون هيئة رقابية لترشيد التحركات.

وأكد أن القانون الانتخابي الحالي يفخخ المشهد السياسي المستقبلي بمزيد من الأزمات، ورأى أنه لا سبيل إلا الحوار بين الأطراف السياسية من أجل البحث عن المشترك والبناء عليه، مؤكداً أن الجميع قادر على هذا الأمر، إذ لا أحد يرغب في تونس في العنف أو دفع البلاد إلى حالة من الاحتقان أو الاحتراب الأهلي.

ورأى مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية في جنيف، الدكتور رياض الصيداوي، أن إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في تونسي سيأتي بنفس الأزمات، من عجز حزب واحد بالفوز بشكل مطلق حتى يشكل حكومة وعجز الائتلافات على الصمود في وجه الصراعات السياسية.

وأضاف أن النظام الرئاسي أصبح مسألة ضرورية في تونس، ولكن يجب أن يُعدّل.

وأشار الصيداوي إلى أن هناك مهربين وفاسدين ومحتكرين بين أعضاء مجلس النواب.

قال نجم الدين العكاري، الكاتب والمحلل السياسي، إن الصورة اتضحت داخل حزب حركة النهضة التونسية بعد سيطرة جناح راشد الغنوشي رئيس الحركة عليه.

وأشار المحلل السياسي إلى أن المعارضين سيغادرون حركة النهضة إذا لم يتمكنوا من إزاحة راشد الغنوشي، الذي يمتلك مفتاحي المال والتعيين داخل مؤسسات الدولة، الأمر الذي يشير إلى حدوث انشقاقات واستقالات، كما شهد حزب نداء تونس، الذي كان متحالفًا مع حركة النهضة.

وأضاف العكاري، أن المؤتمر العام الـ11 للحركة المقرر عقده نهاية العام الجاري، بحسب ما أعلن عنه رئيس مجلس شورى النهضة، عبد الكريم الهاروني، ووزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام بوشلاكة، الذي كان مقرراً أصلاً الربيع الماضي، تم تأجيله إسوة بالمؤتمرات المحلية والجهوية والتي بلغ عددها 300 مؤتمر.

وأوضح أن الغنوشي يحاول التمسك بالبقاء على رأس الحركة لحين إجراء الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في 2024.

وتابع قائلًا: تمسك الغنوشى برئاسة حركة النهضة يدل على تخليه عن الديمقراطية التي دومًا ما يدعّون بها، لافتًا إلى أن النظام الداخلي للحركة في فصله الـ31 يشير إلى أن القيادي لا يمكنه الترشح لأكثر من دورتين، الأمر الذي دعا البعض إلى الالتفاف إلى هذا النص القانوني والاستناد عليه.

وأكد العكاري، أن تمسك المعارضين بإزاحة الغنوشي يأتي لعدة أسباب، أولها تطبيق القانون، وانفراده وسيطرته على الحركة، ذلك بعد تغيير كل ما تتفق عليه الجماعة داخل الهياكل الرسمية للمؤسسات.

وأشار إلى أن المعارضين يريدون تجديد دماء الحركة ووضع قيادات جديدة، موضحًا أن المبادرة المطروحة تشير إلى الإبقاء على الغنوشي رئيسًا للحركة في محاولة تطبيق خطة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين.

وأطلق قياديان في حركة النهضة التونسية محاولة جديدة لتأجيل مؤتمر الحركة المقرر عقده نهاية العام الجاري بسبب الإجراءات الصحية الخاصة بفيروس كورونا وسعياً لتقريب وجهات النظر لكن مراقبين اعتبروها محاولة جديدة لتمديد بقاء زعيم الحركة راشد الغنوشي كرئيس للنهضة وتعزيز فرصه كمرشح محتمل لرئاسة الجمهورية.

وكان نحو مئةِ قيادي بارز في النهضة قد أعربوا عن رفضهم بقاء الغنوشي على رأس الحركة.

قالت خولة بوكريم الصحفية التونسية كان هناك إقبال كبير  على التصويت بالخارج، واتجهت الأصوات لحركة النهضة، وفي الأسبوع الفاصل بين الانتخابات التشريعية وجولة الإعادة كان فيه نوع من اللوم على من بالخارج ، وقد أثر ذلك على مردود التصويت في جولة الانتخابات الرئاسية، وكان ذلك أحد الأسباب التي جعلت التونسيون في الخارج يسحبوا أصواتهم بعد الحملات التي حملتهم مسؤلية نتائج الانتخابات التشريعية.

وأضافت، الخروقات والتجاوات كانت مرصودة في جولة الإعادة ، غير أن عدد الملاحظين كان قليل وهو ما يثير التساؤل ، في القوت الذي شاهدنا البعثة الأوربية متواجدة بقوة وظاهرة .

وقالت إن أجواء الانتخابات كانت رائعة ولم نجد أي صورة لمرشح فائز ، فقط المرفوع هو علم تونس فقط ، وهتافات أن الشعب هو صاحب السلطة، وانتصرت معركة العقول على معركة البطون، والتجربة الديموقراطية في تونس هي أكبر هدية للثورة التونسية.

وأعلنت هيئة الانتخابات أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 57 % في 70 % من مراكز الاقتراع ، بينما بلغت نسبة المشاركة في الخارج5 .23 %  .