هل تشهد الخريطة السياسية في تونس تغييرات في المواقع الحزبية، والمناصب السياسية، بتأثير أزمة حزب الرئيس الباجي قائد السبسي “حزب النداء”، والتي خيمت على المشهد السياسي التونسي؟
تدخل الرئيس التونسي في الأزمة أثار جدلا سياسيا واسعا، ارتبط بمؤشرين اثنين: أولهما ما وصف بتدخل الرئيس التونسي في “شأن حزبي”، وتركيزه في خطابه للجماهير الأحد الماضي على أزمة حزب النداء، الأمر الذي أثار انتقادات قوى سياسية وحزبية بانشغال مؤسسة الرئاسة بحزب الرئيس، وهو ليس شأنا عاما تونسيا، ويبقى على هامش القضايا والأزمات الاقتصادية والأمنية، التي تشغل اهتمامات الرأي العام، وانتقدوا تسلل أزمة جزب النداء إلى رئاسة الجمهورية.
أما المؤشر الثاني فارتبط بإقالة 5 مسؤولين أمنيين، وعلى رأسهم وزير الدولة المكلف بالأمن، رفيق الشلي، في خطوة وصفت بأنها أولى بشائر تعديل وزاري مرتقب، بسبب عدم وجود تناغم في مواقف الائتلاف الحاكم، الذي يضم نداء تونس، وحركة النهضة الإسلامية، وآفاق تونس والاتحاد الوطني الحر.
وترجع القوى السياسية والشعبية في تونس، التغيير الوزاري المرتقب وأزمة حزب النداء، إلى ضعف أداء الحكومة، وفقدانها الدعم السياسي بسبب إشراك حركة النهضة الإسلامية في الحكم، ما تسبب في أزمة حادة داخل الحزب، المنقسم إلى جناحين، أحدهما يقوده حافظ قائد السبسي (ابن الرئيس التونسي ونائب الأمين العام لحزب النداء)، ولا يرون مانعا في التحالف مع النهضة، بينما يرفض الجناح الآخر الذي يتزعمه محسن مرزوق، الأمين العام للنداء، أي تقارب مع الحركة الإسلامية.
ويؤكد عضو المكتب التنفيذي لحزب نداء تونس، يوسف الشاهد، أن القوى السياسية ترى أن أزمة الحزب خرجت من مقره وتسللت إلى المشهد السياسي العام، وإلى قصر الرئاسة، وهو ما حدث بالفعل فقد تجاوزت أزمة النداء “مقر الحزب”، وبدأت تهدد التوازن في البلاد.
وتعقيبا على تصريحات “الشاهد”، قال السياسي التونسي المستقل أنور العبد بو صالح، لوكالة الأناضول، إن الشارع السياسي التونسي فوجئ بجرأة عضو المكتب التنفيذي لحزب النداء، وإقراره للمرة الأولى بأن أزمة الحزب الحاكم تسللت إلى المشهد السياسي، وباتت تهدد توازنه لتنذر بانزلاق تونس إلى حالة من الاستقطاب السياسي، ربما تكون تداعياتها خطيرة على المجتمع والدولة.
وأضاف بو صالح، “ومن هنا كان الجدل داخل أوساط القوى السياسية والمدنية حين تناول الرئيس السبسي في خطابه أزمة حزب النداء، رغم أن خطاب الرئيس يجب أن يكون موجها للشعب، فهو رئيس كل التونسيين وليس لمجموعة حزبية، الأمر الذي يتناقض مع صلاحياته ومهامه، إلا إذا كانت أزمة الحزب قد فرضت نفسها بقوة على رئاسة الجمهورية، حين أدرك الرئيس أن الحزب الذي أسسه يواجه محنة داخلية تهدد بتصدعه”.
الرئيس التونسي بعد أن شكل لجنة لحل أزمة حزب النداء، بوضع خارطة طريق للخروج من الأزمة الراهنة، برر تركيز خطابه الأخير على أزمة الحزب بالقول، إن الخوض في خلافات حزب النداء أمر مهم، لأن المقرضين الدوليين يبدون خشية على مسار الانتقال الديمقراطي، معتبرا أن نداء تونس عنصرا أساسيا ومهما في هذا الانتقال، وفي إحداث توازن سياسي في البلاد.
وهو ما أكد عليه أيضا رئيس الحكومة التونسية، الحبيب الصيد، بأن اهتمام الرئيس بأزمة الحزب تنطلق من اهتمامه بالشأن السياسي العام، ومسيرة الديمقراطية الوليدة في تونس، غير أن القوى السياسية والمدنية لم تتقبل تبرير تسلل أزمة الحزب إلى رئاسة الجمهورية.
ودعت المعارضة التونسية، اليوم الأربعاء، أحزاب الائتلاف الرباعي الحاكم إلى مساءلة الرئيس الباجي قائد السبسي أمام البرلمان على خلفية “خرق الدستور” والخلط بين “الشأن الحزبي” و”الشأن العام” في خطاب توجه به إلى الشعب، وانشغاله بأزمة نداء تونس على حساب أزمة الأوضاع العامة في البلاد، حسب وكالة الأنباء الفرنسية.
يذكر أن حزب نداء تونس، الذي فاز بالأغلبية البرلمانية في انتخابات خريف 2014، وفاز مؤسسه قائد السبسي برئاسة الجمهورية، يواجه أزمة تفجرت قبل شهرين بين جناحين اثنين، يقود الأول حافظ قائد السبسي نجل الرئيس الباجي، ويتزعم الثاني محسن مرزوق الأمين العام للحزب، وعلى الرغم من تأكيد الجناحين على أن الصراع مرده خلافات سياسية بشأن هوية الحزب وأدائه السياسي، إلا أن السياسيين يؤكدون أن جوهر الأزمة هو التناحر على مواقع القرار في صلب تنظيم الحزب وهياكله.