يعلّق التونسيون آمالا واسعة على “تركيبة حكومية جديدة”، من المرتقب أن يعلن عنها الحبيب الصيد، رئيس الحكومة، خلال الأيام القليلة المقبلة، بعد أن ارتفعت حدة المطالب الشعبية بإعادة الحسابات بعد 4 سنوات من الثورة، وأن تقود الحكومة الجديدة “ثورة هادئة” تفرض “الديمقراطية الاجتماعية” قبل “ديمقراطية السياسيين”، التي وصفت بأنها “ديمقراطية الفوضى”، حسب شعارات الاحتجاجات الشعبية، والتي تنظر إلى “التجربة الديمقراطية الناشئة والمتعثرة” على أنها “صراع بين السياسيين على الحكم ومواقع صناعة القرار السياسي”، بعيدا عن مشاغلهم الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
توجه الرأي العام التونسي، وفقا لما كشفت عنه استطلاعات الرأي، هو البحث عن “الدولة القوية”، واسترجاع الدولة المدنية لهيبتها ونفوذها ومشروعية إدارتها للشأن العام، وإنقاذ البلاد من هشاشة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
وأكد مسؤول سياسي تونسي لوكالة الأنباء الفرنسية، اليوم الأحد، أن التونسيين فقدوا الثقة في الأحزاب والقوى السياسية، وأن “ديمقراطية السياسيين” لا تعني الكثير في غياب “الديمقراطية الاجتماعية”، والحد من الفوارق المجحفة بين فئات المجتمع، وهناك حالة أقرب لعرض كشف حساب بعد ثورة 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010، وهي تعرّي الواقع التونسي، الذي لم يشهد تغييرا ملموسا لحياة الشعب التونسي، الباحث حاليا وبصورة عاجلة عن إصلاحات تنموية وسياسية كبرى تعكس تطلعاتهم.
حقيقة الأوضاع الراهنة في تونس، بين تطلعات وإحباطات التونسيين، كشفت عنها اليوم الأحد نتائج 3 استطلاعات للرأي، أجرتها مؤسسات “سيجما كونساي” و”نمرود” و”مركز الدراسات الاجتماعية والسياسية”، ويقول أكثر من 77% من التونسيين، إن تطلعاتهم خلال العام 2016 ترتبط بمدى أداء مؤسسات الدولة، وجرأتها في مواجهة مختلف التحديات الخطرة، التي تواجهها البلاد، ما يفرض وجود “الدولة القوية” للتصدي للجماعات الإرهابية “الجهادية”، والقدرة على رفع مستوى المعيشة، وتحقيق الأمن، مع تدني ثقتهم في الأحزاب، التي لا تتجاوز نسبة 29% بعد أن فشلت في كسب التأييد الشعبي، نتيجة غرقها في أزمات داخلية، وفشلها في طرح برامج تنموية وسياسية مقنعة.
ويعتبر أكثر من 87% من التونسيين، أن من أخطر التحديات التي توجهها البلاد خلال العام 2016، هو القضاء على الجهاديين، الذين نقلوا هجماتهم من الجبال والقرى والبلدات إلى المدن الكبرى، بما فيها تونس العاصمة، وباتوا يهددون كيان الدولة المدنية، في مسعى إلى جر البلاد إلى الفوضى.
وأكد 71% من التونسيين، أنهم مستعدون للتضحية بجزء من حرياتهم من أجل القضاء على الظاهرة الجهادية، وتوفير الأمن والاستقرار، بما من شأنه أن يقود إلى إنعاش الاقتصاد، وفي المقابل ارتفعت الثقة في المؤسستين الأمنية والعسكرية إلى 97%.
وعبرت نتائج استطلاعات الرأي عن نبض الشارع التونسي، حسب تعبير أستاذ علم الاجتماع السياسي التونسي، الدكتور صابر القلشي، بأن التونسيين ينظرون للقوى السياسية بأنها خذلت تطلعاتهم وانشغلوا بمصالحهم وأهدافهم السياسية “السلطوية”، ورغم أن غالبية التونسيين يتمسكون بالديمقراطية، إلا أن أكثر من 79% أكدوا على أنهم يفاضلون “توفير لقمة العيش” خلال العام 2016 على الديمقراطية، من خلال تحسين أوضاعهم الاجتماعية ومستوى المعيشة، والقضاء على الفقر الذي يصل في بعض مناطق البلاد إلى أكثر من 50%، أي أنهم يبحثون عن “الديمقراطية الاجتماعية”.