جمال الغيطاني.. تشبث بالحياة واستعد لمواجهة الموت بقوة

في مثل هذا اليوم من العام الماضي، احتفلت الأوساط الأدبية في مصر، بعيد ميلاد الكاتب الكبير جمال الغيطاني، وكان الغيطاني يبدو بصحة جيدة، في آخر حوار أجراه قبل دخوله في الغيبوبة بنحو شهرين تحدث عن علاقته بصديقه الراحل عبدالرحمن الأبنودي بحزن وقال: «تعلمت من الأبنودي مواجهة الموت»، ثم أردف بعد تنهيدة طويلة:«حققت كل ما تمنيته ولا أخشى الموت».

بعد أيام قليلة من حديثه عن «الموت» كرمته وزارة الثقافة المصرية وتم الاحتفاء ببلوغه السبعين، وحصل على جائزة النيل أخيرا بعد سنوات طويلة، كان لا بد أن يحصل على أرقى جائزة مصرية تقديرا لفكره ودوره الثقافي والنضالي حيث عمل الراحل مراسلا حربيا.

قصة جائزة النيل

لكن وأثناء الحفل الكبير عندما صعد الغيطاني ليتسلم جائزته قبل أيام قليلة من غفوته الأخيرة كان سعيدا، مد يديه يحمل الجائزة، واستقبل مباركة الجميع، حتى منافسيه كانوا سعداء بفوزه فرحين، لكن مفاجأة طريفة وغريبة كانت في انتظاره فور انتهاء الحفل، حيث وقف من يترقب حركته من بعيد ينتظر أن يبلغ هدفه بعد أن يهدأ المكان وينصرف الناس فيبقى الرجل وحيدا أو بعيدا عن معجبيه، لينقض عليه خاطفا الجائزة من بين يديه ويلوذ بالفرار، ويقف الغيطاني متعجبا مندهشا بعد أن فقد الجائزة التي طال انتظارها.. جائزة بلاده.. أرقى وأرفع الجوائز المصرية، لكنه وبرغم الدهشة التي لم يصدقها استسلم للضحك وقال: «رحلتى الطويلة والشاقة التى اضطررت خلالها لأن أقسو على نفسي وعلى أسرتي قد نجحت، والحمد لله كافأني الله».

جمال الغيطاني

حياة متنوعة

الغيطاني الذي لم يعد موجودا بيننا اليوم، كان يعلم أن أيامه أوشكت على النفاذ، لذا كان حريصا على أن يتحدث كثيرا ويحكي عن حكايات قديمة لم يعد يذكرها أحد، فمرة يقص عن ذكرياته مع رفاق الكفاح، ومرات يحكي عن عشقه لحي الجمالية الذي احتضنه بعد نزوح أسرته من جهينة بصعيد مصر.

كان معروفا بولائه لبلاده، وقف مع الجنود على الجبهة شاهد معاركهم مع العدو وكتب الأخبار للصحف، ثم ظل يسأل فى كل مكان.. مَن مَرّ من هنا قبلي؟ ومن سيمر من بعدي؟، الزمن قاده إلى «كيف يكشف القلق»، الزمن قاده لعلم الكون وقراءة الفلك لتفسير المجهول.

يقول جمال الغيطاني، في أحد حواراته الصحفية: «حياتي كانت متنوعة وغنية، شخص يرسم سجاداً وبعدها يمسك ويصبح رفيقاً ويعذب ثم يخرج ويصبح مراسلاً حربياً، وبعدها يعمل محرراً ثقافياً، وخلال مسيرتي الطويلة مع الكتابة لم تكن قضيتي منافسة زملائي، قضيتي كانت وما زالت منافسة التراث الإنساني كله».

جمال الغيطاني

ولا ينسى الروائي جمال الغيطاني سبعة أشهر وأياما قضاها في سجن «القلعة» في مطلع شبابه، بصحبه رفاق الشباب ومنهم عبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب وسيد خميس، ومحمد العزبي، وعلي الشوباشي، وقد عرف أن الشاعر عبد الرحمن الأبنودي  كان نزيل الزنزانة رقم 21، والأديب جمال الغيطاني الزنزانة 37.

كانت تجربة الاعتقال في سنة 1966 مؤثرة وبقوة في شخصية الغيطاني، فهو لا ينسى تلك الفترة، ويقول إنه استفاد من الحبس الانفرادي وجلس يستبطن ذاته ويستدعي كتابا يقرأه، وقرر بعد التجربة المريرة ألا يكون عضوا في أي حزب، لكنه فقط يتعاطف مع الضعفاء ويؤمن بالاشتراكية، دون الانضمام لأحزاب.

ويقول عنه الشاعر سيد حجاب والذي رافقه في السجن: «كنا شبابا في مقتبل العمر نسعى نحو الاكتشاف والتعلم، وكان جمال الغيطاني أصغرنا سنا، كان شديد الانفتاح في الرغبة نحو المعرفة، والتعلم، وبدأ حياته كاتبا للقصة القصيرة، كنا نعرف بعضنا من النشاط السياسي حتى جمعتنا مأساة السجن، فخرجنا أصدقاء، وكان معنا على الشوباشي وصلاح عيسى، وسيد خميس، وكان خميس أكبرنا سنا وأكثرنا استقرارا، وهو الذي جند تلك المجموعة».

أكثر من أربعين عاما مرت على تلك الصداقة، تغيرات سياسية وتحولات في البلاد وهؤلاء هم الأصدقاء، رحل منهم من رحل، حتى كان آخرهم عبد الرحمن الأبنودي، الذي روى عنه الغيطاني شجاعة مواجهة الموت حين قال «لم أر في حياتي أحدا يمتلك شجاعة مواجهة الموت مثل نجيب محفوظ، وعبد الرحمن الأبنودي، وكنت أتمنى أن يكون موجودا معنا الآن» -لكنه لحق بهم-.

جمال الغيطاني رحلة طويلة من الكتابة والإبداع
جمال الغيطاني رحلة طويلة من الكتابة والإبداع

أخبار الأدب

أسس جمال الغيطاني أهم صحيفة مهتمة بالشأن الثقافي في المنطقة العربية «أخبار الأدب» وهي الصحيفة التي احتضنت وقدمت الكتاب والشعراء العرب من المحيط إلى الخليج، وكرس الغيطاني نفسه للوقوف إلى جانب المبدعين العرب أينما كانوا، فتح لهم أبوابه، ومنصته لكي يعبروا عن أنفسهم، فخرجت «أخبار الأدب» في عام 1993 فى وقت توحش فيه الإرهاب وسيطر فيه التشدد الذى باتت له الكلمة العليا، بحيث استطاع كل من وضع عمامة أو أطلق لحية أن يفتي بمصادرة كتاب، أو فيلم، وما على جهات الإدارة إلا الامتثال، وفي ذلك الوقت امتثلت «أخبار الأدب» بمعركتها ضد العدوان الذي مارسته ومازالت تمارسه الجماعات المتطرفة على حرية التعبير، وتوجت جهود «أخبار الأدب» في معركة حرية التعبير والنشر بقرار أصدره الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بمنع مصادرة أي مصنف إلا بحكم قضائي.

تشييع جثمان الغيطاني

لم يكن جمال الغيطاني صحفيا متملقا، ولم يكن من المتسلقين الذين يستجدون رضا السلطة عنهم، كان الرجل صاحب مواقف قوية، فقد أسس لصحافة شريفة يحمل رسالة «حرية الرأي والتعبير» ووقف بالمرصاد لكل مخالف مهما كانت سطوته ونفوذه، وكان ثابتا على مبدأه وكلمته، وعرف جيدا من يستحق الدعم ومن يستحق الهجوم، ولعل أبرز معارك الغيطاني ضد الفساد هي معركته مع وزير الثقافة الأسبقفاروق حسني، التي انتهت بجلسة صلح دعا لها الراحل أسامة الباز، والدكتور مصطفى الفقي.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]