جيمس ستافريديس: أمريكا تخوض حروب المستقبل بـ«أسلحة الغد» وليس «أسلحة الماضي»

التعديلات القضائية في إسرائيل أزمتها لم تهدأ رغم إعلان الائتلاف الحكومي منحها وقتا أطول لبحثها قبل إقرارها، فخلال الأربع والعشرين ساعة الماضية شهدت إسرائيل العديد من التطورات السريعة وغير المسبوقة.

وبدأت بعودة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من بريطانيا ليُعلن إقالة وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت، على خليفة الخطاب الذي أدلى به بشأن الأزمة.

بعدها مباشرة عمت شوارع إسرائيل مظاهرات عارمة قدرت أعدادها بـ600 ألف متظاهر، ففقدت الشرطة السيطرة على الأوضاع في الشارع لساعات.

وللتدليل على سوء ما وصلت إليه حدة الانقسام داخل إسرائيل حاول أحد أنصار اليمين المتطرف دهس متظاهرين في شوارع تل أبيب، لأنهم يرفضون التعديلات.

كما دعا المؤيدون لمظاهرة لأحزاب اليمين في شوارع البلاد دعما للتعديلات القضائية.

وفي خطوات تصعيدية للضغط على حكومة نتنياهو، أعلن اتحاد نقابات العمال في إسرائيل الدخول في إضراب عن العمل ليوم كامل.

وثمة إضراب هيئة الطيران مع عدم تسيير أي رحلات جوية من مطار بن غوريون.. وثمة إضراب نقابة المحامين رفضا للتعديلات القضائية.

وبالإضافة إلى إضراب نقابة الأطباء وإغلاق النظام الصحي بما يشمل المستشفيات والتأمين الصحي لـ24 ساعة.

كما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن انضمام ميناءي حيفا وأسدود لحالة الإضراب التي تشهدها إسرائيل.

كذلك البنوك الإسرائيلية أغلقت أبوابها اعتراضا على مضي الحكومة قدما في إقرار التعديلات القضائية.

وأمام ذلك العصيان المجتمعي نتساءل، إلى متى يقوى الداخل الإسرائيلي على التماسك أمام عاصفة تعديلات القضاء؟

حول هذه المحاور دار الجزء الأول من برنامج “مدار الغد”.

من حيفا، قال دكتور جوني منصور المؤرخ والمختص بالشؤون الاسرائيلية، إن قرار نتنياهو بتأجيل التعديلات القضائية هو إحدى الخطوات التي يسعى لتحقيقها لأنه وبطبيعته يتعامل مع عامل الزمن وهذا لمسناه في حكوماته السابقة.

واضاف: “التأجيل بدون أدنى شك هو ليس عمليا، وإنما أخذ إجازة، والإجازة موضوعة لأن الكنيست الإسرائيلي يخرج في نهاية هذا الأسبوع إلى إجازة الفصح العبري ليعود بعد شهر تقريبا”.

وأوضح بالقول: “بمعنى آخر إنه يمارس مناورات سياسية ائتلافية للحفاظ أولا على مقعده، وثانيا لتحقيق المزيد من التماسك للائتلاف الحكومي في مواجهة محاولات الزعزعة التي تمارس من قبل المعارضة”.

من عمان، قال مأمون العمري الكاتب والباحث السياسي، إن إسرائيل كلها بما فيها اليسار واليمين المعارضة والحكومة في كفتين متوازيتين، كلاهما صعد إلى الشجرة ولا يستطيع أن ينزل عنها لا بهذا التأجيل وشراء الوقت ولا بالقراءة الثالثة ما بعد العطلة البرلمانية للكنيست الإسرائيلي.

وأضاف: “وبالتالي الطرفين كلاهما خاسر الآن في نظر الشارع وفي الحسابات السياسية إذا أراد نتنياهو حقيقة أن يقوم بهذه المراجعة فإن ذلك سيؤثر على الائتلاف الحكومي. وحتى الآن لا يوجد خاسر ولا منتصر”.

وأكد أن التأجيل كان لابد منه أمام هذا الزلزال الذي واجهته إسرائيل بخروج 600 ألف متظاهر في ليلة واحدة على إثر إقالة وزير الدفاع الإسرائيلي، وبكل تأكيد هذا سيدفع نتنياهو إلى العودة وإلى مراجعة ذاته.

من برلين، قال ماجد كيالي الكاتب والباحث السياسي، إن التناقضات التي نشأت مع إسرائيل منذ قيامها لن تتلاشى ولا حتى بانتخابات ثانية، هذا تناقض كبير سيشتغل الإسرائيليون على إيجاد طريقة لحله”.

وأضاف: “المسألة لم تعد عودة غالانت لمنصبه، هذا الصراع سيأخذ أبعاده والاحتمال الأكبر هو تفكك حكومة نتنياهو والذهاب نحو انتخابات مبكرة، ونتنياهو انتهى زمنه السياسي، وهو الرجل الذي لعب دورا كبيراً في تقويض اتفاق أوسلو، وفي تغيير النظام السياسي الإسرائيلي، وأعتقد أن دوره وزمنه قد انتهي”.

الجزء الثاني من الحلقة ناقش قضية “إذا ما صحت اتهامات تل ابيب لواشنطن بتمويل المظاهرات وتأجيج الخلافات، لماذا انقلب البيت الأبيض على نتنياهو؟”.

شهدت العلاقات ما بين واشنطن وتل أبيب توترا مع قدوم حكومة نتنياهو الحالية، فللمرة الأولى منذ تعهدت الولايات المتحدة بضمان أمن إسرائيل، توجه دولة الاحتلال اتهامات خطيرة إلى الإدارة الأميركية، مفادها. أن واشنطن تموّل الاحتجاجات في الشوارع الإسرائيلية ضد التعديلات القضائية، لزعزعة استقرار الائتلاف الحكومي اليميني. وهنا نتساءل، إذا ما كانت هذه الاتهامات صحيحة. فلماذا انقلبت الإدارة الأميركية على الحكومة الحالية في إسرائيل؟

ومن واشنطن، قالت جينجر تشابمان الكاتبة والباحثة في الشؤون الأميركية، إن الشعب الإسرائيلي غاضب تماما بشأن المقترح الخاص بإصلاح المحكمة العليا، إنهم يشعرون أن هذا يقلل من حقوق الأقليات في إسرائيل ويؤثر على الديمقراطية ويمثل تهديدا لها.

وأضافت أن الحكومة الأميركية تبدو مرتبكة، فهي من ناحية تحاول أن تدعم إسرائيل ومن ناحية أخرى تقوم الإدارة بمحاولة لاحتواء الأضرار المتعلقة بالتصرفات التي قامت بها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وأشارت إلى أن إدارة أوباما كانت تتسم بالعدائية تجاه إدارة نتنياهو وإدارة بايدن هي بالضرورة استمرار لإدارة أوباما وتظهر نفس العداء تجاه نتنياهو.

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى دعم تونس التي تواجه أزمة مالية حادة من أجل تخفيف ضغط الهجرة مضيفا أن التوتر السياسي في تونس والأزمةَ الاقتصادية والاجتماعية المستعرة في ظل غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي، مقلقةٌ للغاية.

في غضون ذلك قالت باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأمريكي إن الرئيس التونسي قيس سعيد أثار “قلقا بالغا” بشأن الاتجاه الذي تتحرك نحوه تونس باعتماد إجراءات أضعفت الضوابط والتوازنات الديمقراطية  على حد زعمها.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيد عبّر عن رفضه التدخل الأجنبي في شؤون بلاده الداخلية، باعتبار أن تونس ليست تحت الحماية أو أي نوع من أنواع الوصاية.

ومن تونس الكاتب الصحفي بلحسن اليحياوي، أن تونس تمر بمرحلة دقيقة منذ 10 سنوات وزادت حدتها في الأونة الأخيرة.

وأوضح اليحياوي، خلال تصريحات له مع برنامج حصة مغاربية، أن هناك إحباط لدى الشارع التونسي في إصلاح الوضع الاقتصادي.

وشدد على أن التصريحات الغربية وخاصة الأمريكية في ابتعاد تونس عن المسار الديمقراطي فيجب الإشارة إلى تأثير الرؤية الأمريكية عن المسار الديمقراطي والذي طبقته في العراق.

ومن جانبه أكد الكاتب والباحث السياسي سرحان الشيخاوي، أن الواقع التونسي أصبح يُعرف من العين الغربية .

وأوضح الشيخاوي، خلال تصريحات له مع برنامج حصة مغاربية، أن هناك محاولات غربية لاستخدام صندوق النقد الدولي كورقة ضغط على النظام السياسي.

تتصاعد المخاوف من احتمال حدوث أزمة مالية عالمية على غرار تلك التي عصفت بالعالم في العام 2008، سيما مع انهيار بنك «سيليكون فالي الأمريكي».. فما هي قصة هذا البنك وكيف انهار فجأة؟.

بنك «سليكون فالي» بدأ عملياته المالية منذ 40 عاما في كاليفورنيا، ويمول بالأساس شركات تكنولوجيا المعلومات.

وتقدر القيمة النقدية لأصول البنك بنحو 210 مليارات دولار، منهم ودائع نقدية تقدر بـ175 مليار دولار.

انهيار «سيليكون فالي» جاء بإعلانه الأربعاء الماضي أنه بسبب ارتفاع معدلات الفائدة، تكبد خسائر بملياري دولار في بيع سندات يستثمر فيها للخزانة الأمريكية و للقروض العقارية، وهو الإعلان الذي أدى إلى هلع المستثمرين وحاملي الأسهم، وهبوط أسهم البنك في البورصة بأكثر من 60%، وبعدها قام العملاء بعمليات سحب واسعة بلغت 42 مليار دولار في يوم واحد، أي ما يقدر بربع قيمة الودائع كاملة لدى البنك.

وبالتبعية، انهار بنك آخر هو «سيجنتشر» (Signature) ومقره نيويورك، ويعتمد في الأساس على تداول العملات الرقمية المرتبطة أيضا بالتكنولوجيا، علما بأن أصول «سيجنتشر» قدرت في نهاية 2022 بـ110 مليارات دولار، منها ودائع تبلغ قيمتها 88 مليار دولار.

وسرعان ما استخدم كل من الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة ووكالة التأمين على الودائع سلطاتهم في وضع أيديهم على البنكين، مع وضع برنامج لضمان رد أموال المودعين، لكن تلك الإجراءات الحكومية لم تبدد المخاوف القائمة من انتقال العدوى لبنوك أخرى في النظام المالي الأوسع نطاقا.

مسؤولية «سيليكون فالي»

قال الدكتور فيليب أويرسوالد، أستاذ الاقتصاد بجامعة جورج ميسون، إن إدارة بنك «سيليكون فالي» هي من يوجه إليها اللوم في الانهيار الذي حدث، فما حدث هو مسؤولية البنك أولا وأخيرا لضمان الحد الأدنى من قيمة الودائع حتى لا تحدث مثل هذه الأمور.

وأضاف في مداخلة لبرنامج «مدار الغد» من فرجينيا، أن إجراءات البنك لم تراعِ هذه المخاطر، بل كانوا على غير مستعدين، ومن ثم فإننا لم نتفاجأ، فهذا البنك كان لديه مزيد من المخاطر في ما يتعلق باستثماراته، ولكن على عكس ما كان في السابق، حيث كان الاستثمار في هذا البنك آمنا جدا».

وتابع: «لدينا كيانين اثنين، الاحتياطي الفيدرالي وهو الكيان المسؤول عن وضع وتحديد سعرالفائدة والسياسة النقدية إجمالا، أما فيما يتعلق بالبنك نفسه فمسؤوليته ضمان الإيداعات»، لافتا إلى ان «الإشكالية هي أنه ضمن نحو 250 مليار دولار، وهنا وتحت أي ظروف فإن أي إيداعات تكون أرصدتها أكبر من هذا المبلغ لم تغط هذه الخسائر».

الأنظمة المصرفية معرضة للخطر

وقال الدكتور دومينيك أنتونيو دي جورجيو، الأكاديمي والخبير في الشؤون الاقتصادية، إننا «يجب أن نكون واضحين، فالإشكالية التي نشهدها في الولايات المتحدة الأمريكية لها خصوصيتها، وهي أن هذا البنك في هذه الدولة وبقية العالم لا سيما الاتحاد الأوروبي مرتبط بملاذ آمن في ما يتعلق بتبعات البنوك التجارية في مثل هذه الفعاليات».

وأضاف في مداخلة لـ«مدار الغد» من ميلانو: «النظام العالمي كما نعرفه هو منخفض، ويتبع مثل هذه الأحداث، ولكن الإشكالية هي أنه بعد انهيار بنك ليمان براذرز فإن الأعداد المتزايدة للمؤسسات البنكية والمصرفية المعروفة في مختلف أنحاء العالم التي تقرض الأموال باعتبارها جهة مصرفية دون أن يكون هناك تشريع مربوط مع البنك، وهذا هو السبب الرئيسي وراء التخوف العالمي الذي نشهده الآن، فالأنظمة المصرفية هي أكثر عرضة للخطر منذ أكثر من 50 عاما».

تأثير أزمات النظام المصرفي الأمريكي على العالم

قال عامر الشوبكي، الباحث الاقتصادي والمتخصص في شؤون الطاقة والنفط، إن مشاعر الخوف هي التي تسيطر الآن على الأسواق، والمخاوف من أن تؤدي لإحجام المودعين أو قيامهم بسحب أموالهم من بنوك أكثر.

وأضاف في مداخلة لـ«مدار الغد» من عمان: «الآن كرة الثلج تتدحرج، نرى انهيار 3 بنوك، أحدهم بالمرتبة الـ16 بين أكبر البنوك الأمريكية وهو سيليكون فالي، والآخر سيجنتشر ترتيبه 29 على مستوى أكبر البنوك الأمريكية».

وتابع: «في الواقع، البنوك الأمريكية التي تسيطر أو لديها حجم أصول بقيمة 22 تريليون دولار، وهي قيمة ليست بسيطة، تعطينا مؤشر بشأن تأثيرها على العالم، فـ22 تريليون دولار هي أعلى من الناتج المحلي الصيني، وهي 14 ضعف الناتج المحلي الروسي، لذلك أي تأثير على النظام المصرفي الأمريكي سيمتد تأثيره إلى سنوات على العالم».

في الجزء الثاني من حلقة اليوم يطرح «مدار الغد» سؤالا عما إذا كان الاقتصاد العالمي قد تفادى الركود أم لا يزال قائما؟

فبالنظر إلى أرقام ومؤشرات الاقتصاد الكلي خلال أول شهرين من هذا العام، نجد أن كتلتي الغرب الرئيستين، أمريكا وأوروبا، قد تتفاديان الركود، لكنهما ستعانيان حتما تباطؤا في النمو الاقتصادي.

تقديرات وإن كانت متفائلة بعض الشيء، إلا أنها مشوبة بحذر، لأن إدارة هذا التباطؤ سيكون بمسارين، إما رفع سعر الفائدة، وإما سحب السيولة من السوق، وهما مساران كلاهما مر.

موجات كساد جديدة

قال ماوريشيو برازاكر، رئيس المعهد البرازيلي لتنمية العلاقات والأعمال الدولية، إن المنظور العالمي لمثل هذه القضية يمكن أن نتناوله فيما يتعلق بالإصلاحات الكبرى في أوروبا، لكن وبسبب الحرب وأن الولايات المتحدة كذلك تواجه هزيمة كبيرة بعد الإفلاس الأكبر منذ الأزمة المالية العالمية، فبالتالي ومن منظور عالمي لدينا منظور للكساد.

وأضاف في مداخلة لـ«مدار الغد» من ساو باولو: «عندما ننظر بعين ثاقبة ومزيد من التركيز من مناطق أخرى، نجد الوضع يختلف، وربما قد تكون هناك موجات لكساد جديد».

وقال الدكتور جون دوف، أستاذ الاقتصاد والمالية بجامعة تروي، إنه في ما يتعلق بحماية سلاسل الإمداد، فإن جائحة كورونا كانت لديها الكلمة العليا في تعطل سلاسل الإمداد، وهو ما ضرب بالفعل اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، وأحدث تغييرات جوهرية على العديد من القطاعات.

وأضاف في مداخلة لـ«مدار الغد» من ألاباما: «نحن حاولنا أن نعيد بناء سلاسل الإمداد بطريقة سريعة، وأظن أنه على المدى الطويل فإن مثل هذه الأمور، لا سيما سلاسل الإمداد سجلت تعافيا كبيرا، وأنها بالطبع سوف تتعافى كثيرا في المستقبل».