لا تزال قضية استحقاقات التنمية والتشغيل في تونس تثير غضب الرأي العام، ومع تأجيل الحكومة عبر نواب الائتلاف الحاكم، طرح الملفات الحارقة في البرلمان، وارتفعت حدة الاحتقان الشعبي مع تلويح زعيم حركة النهضة الإسلامية، راشد الغنوشي، بمفردات القاموس الحربي في بلد مسالم، وتهديده صراحة للشارع السياسي التونسي بـ«الحوار أو القتال».
تلويح الغنوشي بالقتال أثار مخاوف خصوم النهضة من قوى سياسية ومدنية والرأي العام من خلفيات هذا التهديد وتداعياته في ظل الأوضاع العامة الهشة اجتماعيا وأمنيا وسياسيا، وفي وقت تحشد فيه قيادات الأحزاب السياسية العلمانية، وكذلك منظمات المجتمع المدني، جهودا لإطلاق حوار وطني يفضي إلى وضع خطة تنموية وسياسية تكون كفيلة بالاستجابة لحقوق المحتجين في التنمية والتشغيل.
وكان رئيس الحركة الإسلامية، قال حرفيا، لوسائل الإعلام المحلية في أعقاب لقائه بالحبيب الصيد رئيس الحكومة «ليس أمامنا خيار سوى الحوار أو القتال».
ورأى سياسيون ونشطاء وإعلاميون في استخدام الغنوشي لكلمة «القتال» مؤشرا له تداعيات على خيار الحوار الذي يراهن عليه الشارع التونسي لتهدئة الأوضاع العامة من خلال التوافق على خطة وطنية تنموية وسياسية تستجيب لمطالب المحتجين، ورغم تبرير حركة النهضة، بأن كلمة «القتال» زلة لسان، أردفها الغنوشي بأهمية تبني الحوار، إلا أن كلمة القتال كما يؤكد السياسي التونسي، السعيد بن الحاجي، غريبة على الخطاب السياسي الذي تنتهجه الأحزاب والقوى المدنية في تونس، وتتناقض تماما مع مفردات الثقافة السياسية التونسية التي تتمسك بـ«الوحدة الوطنية» و«السلم الأهلي» و«الحوار» بين الفرقاء باعتباره الآلية الوحيدة الكفيلة بالحل.
وأوضح لوكالة الأنباء الألمانية، أن الشارع التونسي يخشى من استخدام الغنوشي، لمفردات القاموس الحربي في مجتمع مسالم يرفض كل أشكال العنف حتى وإن كان على مستوى الخطاب السياسي، ولذلك يتساءل عما إذا كانت إشارة الغنوشي إلى القتال زلة لسان أم هي تحذير من الزج بتونس في الفوضى الأمنية والسياسية والاجتماعية، وفي ظل مرحلة حرجة تمر بها تونس من أبرز ملامحها هشاشة الأوضاع الاجتماعية والأمنية التي باتت تهدد كيان الدولة مع تزايد مخاطر هجمات الإسلاميين المتشددين.
وبينما يرى خصوم النهضة، كلمة القتال تعكس حقيقة الخطاب الذي تتبناه جماعات الإسلام السياسي، وهو خطاب يرتهن إلى مفردات تميل إلى التشدد والعنف، فإن عددا من السياسيين، يعتقدون أن ما بدر من الغنوشي زلة لسان، ليس لها تداعيات على خيار الحوار الوطني لإنقاذ البلاد من أزمتها.
ومن جانب آخر عبر المحتجون عن خشيتهم من تجريد حركة النهضة «الانتفاضة الشعبية الواسعة» من سلميتها ومشروعيتها، من خلال تحويلها إلى عنف يرفضه الشارع التونسي رفضا قاطعا.
ويبدو أن الرئيس التونسي، سارع للتبرؤ من تصريحات الغنوشي، ومع تصاعد ردود الفعل الغاضبة، والمخاوف من اندلاع عنف الإسلاميين، وحمّل حركة النهضة الإسلامية، مسؤولية نتائج تسامحها مع الجماعات السلفية المتشددة، خلال فترة حكمها عامي 2012 و2013، بما فيها التنظيمات الجهادية التي باتت تمثل خطرا على كيان الدولة المدنية، كما حمّلها مسؤولية انتهاجها لسياسات خاطئة قادت إلى تردي أوضاع عامة ما انفكت تتعمق في ظل الأزمة الاقتصادية والاحتقان الاجتماعي والهشاشة الأمنية.
وقال السبسي، في لقائه مع عدد من وسائل الإعلام البحرينية خلال زيارته للمنامة، الخميس الماضي، إن مخلفات حكم النهضة هي التي تقف وراء مخاطر اقتصادية واجتماعية وأمنية تواجهها تونس اليوم وتهدد أمنها واستقرارها.