مؤشرات الانتخابات اللبنانية.. قطار التغيير بدأ السير ببطء
ترى الدوائر السياسية في بيروت، أن نتائج الانتخابات البرلمانية لم تحسم الصراع في لبنان، وإن كانت هناك مؤشرات هامة، بأن قطار التغيير قد انطلق، وأنه قد يبطئ سيره لكنه ماضٍ فى الطريق، رغم أن القوى التقليدية مازالت تسيطر على معظم مقاعد البرلمان رغم مسؤوليتها عن الاوضاع الكارثية التى يعيشها لبنان.
بدء مرحلة جديدة مليئة بالتحديات
ومع نهاية الانتخابات البرلمانية، بدأ لبنان يتهيأ لمرحلة جديدة مليئة بالتحديات، وأبرزها تشكيل حكومة جديدة تحل مكان حكومة ميقاتي والتي ستتحول قريباً جداً إلى حكومة تصريف أعمال، هذا بالإضافة إلى بداية العد العكسي للاستحقاق الرئاسي قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون ت بعد 5 شهور ـ في نهاية شهر اكتوبر/ تشرين الأوّل المقبل.
- لكن الصحيح أيضاً أن اختراقاً هاماً قد حدث مع نجاح 12 من القوى المدنية المطالبة بالتغيير، ومع سقوط رموز ظل بعضها يحتل المقعد البرلمانى منذ 30 عاماً
قوة وازنة من خارج الأحزاب
ويرى محللون أن حصول قوى التغيير على ما يقرب من 10٪ من مقاعد البرلمان، وحصول المستقلين على نسبة مماثلة أو أكبر يعنى أن هناك قوة وازنة من خارج الأحزاب والقوى التقليدية، حتى وإن كانت تحتاج لإطار يجمعها ويمنع تشرذمها الذي يضعف تأثيرها.
- ورغم حفاظ حركة أمل وحزب الله على السيطرة الكاملة على مقاعد الشيعة، فإن الأحزاب الموالية لهم قد فقدت ما يقرب من عشرة مقاعد. والنتيجة فقدان الأكثرية البرلمانية.
على جانب آخر يزداد الصراع فى الجانب المسيحى بين حزب الرئيس عون وبين حزب القوات الذى يقوده سمير جعجع الذى تفوق فى عدد المقاعد التي حصل عليها على حزب عون. وهو ما يزيد شراسة المعركة فى الانتخابات القادمة بعد 5 شهور لرئاسة الجمهورية.
خطر استمرار الشلل السياسي قائم
الموقف معقد، والانقسام كبير، ومساحة التفاهم بين الفريقين الأساسيين فى الصراع مفتقدة، وخطر استمرار الشلل السياسى قائم بينما أزمات لبنان لا تحتمل. قد يكون مفتاح الحل عند نواب التغيير الجدد إذا وحدوا صفوفهم واستطاعوا إقامة تحالف بينهم وبين أكبر عدد من النواب المستقلين ليكون هناك كتلة وازنة تملك الحسم فى القرارات الصعبة المطلوبة لإنقاذ لبنان من الانهيار الكامل، ولفرض حكومة قوية وانتخاب رئيس للبلاد قادر على قيادة المرحلة الصعبة بهدوء وحكمة.
الاستحقاق الصعب تشكيل الحكومة الجديدة
ويؤكد الخبير الاستراتيجي اللبناني، العميد الركن نزار عبد القادر، أن الانتخابات شكلت امتحاناً قاسياً لمختلف الأحزاب والقوى السياسية التقليدية، ولقوى المجتمع المدني وما تبقى من رموز ثورة 17 تشرين (أكتوبر)..وبالرغم من ان النتائج التي أعلنت ولصالح القوى السيادية تعطي الأمل بإمكانية إحداث تغيير نحو الأفضل لجهة إدارة الدولة والبلاد، إلا أن قدرات حزب الله على الأرض، وقدراته على التهديد بسلاحه وبتعطيل آليات السلطة هي كفيلة بشل كل القرارات السياسية وتعطيل كل آليات الحكم لتنفيذ هذه القرارات.
- أما الاستحقاق الصعب الأوّل الذي ستواجهه القوى السيادية في المجلس الجديد بعد حل عقدة انتخاب رئيس وهيئة المجلس النيابي فيتمثل بتسمية رئيس للحكومة وبتشكيل الحكومة الجديدة، والتي من المفترض أن تقوم بسرعة بالإصلاحات المطلوبة لوقف عملية الانحدار نحو قعر الهاوية، بالإضافة إلى التحضير الجدي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ومنع حصول فراغ رئاسي، يجمّد كل العملية الإصلاحية بما في ذلك إعادة بناء المؤسسات وتأمين الخدمات الأساسية وعلى رأسها الكهرباء والماء والمواصلات.
مخاوف من توجهات حزب الله
من هنا لا بدّ من توقع إصرار حزب الله وحلفائه على تشكيل حكومة سياسية، أي رئيسها وأعضاؤها من المجلس النيابي، وذلك تفادياً لاستبعاد وجود أية محاولات التفاف سياسي على مشاركة أعضاء من حزب الله في الحكومة، وسيفتح هذا الأمر الباب على مصراعيه لأزمة طويلة لتشكيل حكومة، وبالتالي الدخول في فراغ رئاسي، من المرجح ان يمتد لسنوات، وبالتالي لتحويل لعبة الاوزان السياسية والنفوذ إلى أزمة نظام، وبالتالي وضع البلاد أمام خيارين خطيرين، بحسب توقعات الخبير اللبناني العميد الركن نزار عبد القادر:
- الأوّل، فتح الباب أمام حزب الله للمطالبة بمؤتمر تأسيسي، مع ترجيح المطالبة باعتماد مبدأ المثالثة في النظام بدل المناصفة، وبما يدفع القوى المسيحية للمطالبة باعتماد صيغة نظام فيدرالي. وستضع هذه المطالب المتناقضة للقوى السياسية النظام اللبناني امام مأزق سياسي، لا يمكن الخروج منه بسهولة، ويتحول لبنان إلى بلد مأزوم على غرار ما هو عليه الوضع في العراق أو اليمن أو ليبيا.
- الثاني، دفع البلاد إلى مأزق سياسي، قد يتحوّل تحت تأثير ضغط الشارع إلى مأزق أمني، يمكن أن يتعمم ويدفع نحو فتنة وطنية، قد يستدعي حلها تدويل الأزمة، مع احتمال حصول تدخلات عسكرية إسرائيلية، على غرار ما هو جار في سوريا بحجة احتواء تهديدات إيران وحزب الله. وسيؤدي حصول مثل هذا السيناريو إلى تدمير لبنان مادياً وسياسياً.
في رأينا تدعو الحكمة حزب الله والقوى السيادية التحلي بالواقعية السياسية، وتحاشي السير بالأمور نحو مواجهة كسر عظم «بين المعسكرين»، من أجل تسهيل تشكيل حكومة، وفتح المجال لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، في ظل توافق مسبق للدعوة لطاولة حوار وطني يرأسها الرئيس الجديد لبحث كل القضايا الخلافية وعلى رأسها مسألتي السيادة، وإعادة بناء الدولة المتوازنة والفاعلة.
