مصر تتحدث عن نفسها.. هكذا ولدت الجمهورية الجديدة في 30 يونيو

في لحظة من تاريخ مصر، مشحونة بالخطر، ومعبأة بالقلق، استدعى الشعب المصري جيشه في لحظات مصيرية وفاصلة، لإنقاذ الوطن من أزمة خطيرة تهدد وجود الدولة، وذلك تحد لم تواجهه  مصر على طول ما واجهت في تاريخها الحديث من تجارب.. جربت الثورة.. وجربت الحرب.. وجربت الغزو.. ولكنها لم تواجه في ذلك التاريخ الحديث تجربة تهديد الدولة!

كنا أمام سابقة يسجلها الشعب المصري في تاريخه، ولم يسبقه أحد من شعوب العالم، على امتداد التاريخ الإنساني، أن يطلب شعب تدخل الجيش في شؤونه الداخلية طلبا للإنقاذ.

  • و أثبت الجيش المصري، أن الولاء والانتماء أولا للشرعية الشعبية، وقد استشعر إرادة الشعب منذ اللحظة الأولى، وأن عليه أن يتحمل مسؤوليته.

 

ويرى المؤرخون، أنه من حق الشعوب أن تراجع دفاترها في اللحظات الفاصلة من تاريخها ، وأن تطرح أمامها تساؤلات في صيغة جردة حساب :  ماذا تحقق  .. وإلى أين؟! وهو ما حدث في مصر بعد عامين من ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 ، وكان الوطن ما زال يرقع الثوب ولا يستبدل الجسد ، ويعيش حالة البحث عن طريق.

  • وقد حدث هدر عقيم في العمل الوطني عوّقت حركته وأربكته، والنتيجة أن الجماهير أصابها نوع من ضيق الصدر، ونفاذ الصبر، وبان قلقها على مستقبل وهوية وطن، من جماعات ذات أهداف ومقاصد ونوايا باتت مكشوفة، وتدفع بالدين إلى الساحة وفي ظروف عاصفة.

 

 

وشواهد وحقائق اللحظة التاريخية، تقول: إن القيمة العظمى للحظة التاريخية الفارقة  في تاريخ مصر الحديث، مع الثورة الشعبية الثانية، في الثلاثين من يونيو/ حزيران، كانت حاضرة في موقف جيش الشعب من ثورة الشعب، ومنذ أن تحركت الملايين وفي طليعتها الشباب، تريد إسقاط النظام، وأن تتحرر من عبء «جماعة» أصابت أعصاب الأمة وطاقاتها ومواردها بالترهل، حتى أصبحت غير قادرة على أن تصلب عودها!

  • وبقدر ما كان هذا اليوم ، شاهدا على انقاذ هوية وهيبة وطن، بعد أن تكشفت وتعرت وجوه «جماعة » انزلقت ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011  في حضنها بدعم أمريكي.. بقدر ما كان يوم 30 يونيو/ حزيران، شاهدا لموجة عاتية من «تسونامي بشري» غير متوقع ، يزيح نظاما إخوانيا، ويعلن عن أمة استيقظت وراحت تسترد ما سرق منها.

 

كانت التقارير الأمنية «السيادية» ترسم بدقة ووضوح صورة المناخ العام الملتهب في مصر..وتتحسب لما هو قادم  من مواجهة محتملة بين جماهير الشعب الغاضب، وبين ميليشيات وعناصر جماعة الإخوان المسلمين (التي تحكم)، ومن معهم من جماعات التيار الإسلامي.. وكان تحديد شباب مصر، ليوم 30 يونيو،  للثورة تحديا غير مسبوق، وإصرار شعبي على المواجهة وإزاحة حكم الإخوان.

كانت التقارير الأمنية «السيادية»، تقول: 

  • أولا: نحن أمام تنظيم دولي، أكثر تمددا وتشعبا واختراقا، وله أحلامه ومطامعه وأهدافه، وأيضا تحركاته في دهاليز السرية، وتعاملات الظل مع أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية، وتحكمه مواثيق داخلية أقرب إلى «التابوهات» المقدسات، وقد جاءته فرصة الصعود إلى قمة السلطة في مصر كضربة حظ ، رغم عوالق الشك والريبة المحيطة بها.. وبالضرورة لن يتركها تفلت من يده بعد 80 عاما من العمل السري والعلني من أجل «حلم»  كانوا يرونه صعب المنال، ولكنه أصبح واقعا !!
  • وثانيا: لن يتنازل «الإخوان» عن الحكم، وبالتبعية لن يقبل أبناء عمومتهم من السلفيين بمختلف فصائلهم، أن يتنازل التيار الإسلامي عن الحلم الذي هبط فوق رؤوسهم فجأة، بلا مقدمات ولا مسببات، ولا تضحيات، ولن يتركوا مقعد رئاسة الجمهورية، ومهما كانت المعارضة الشعبية الرافضة..وهم (الإخوان والسلفيون) يعتقدون أن خلع رئيسهم، يعني خلع التيار السياسي «المتأسلم » وعودتهم مرة أخرى إلى تحت الأرض، وضرب المشروع الإسلامي، ولن يسمحوا به ، ولن يتنازلوا عن أحلامهم، والتضحية و«الجهاد» من أجلها !!
  • وثالثا: وليس سرا بالطبع أن لجماعة الإخوان مليشياتها المدربة، وقد كشفت الوقائع والأحداث الأخيرة (خاصة مشاهد الرعب والأسر والسحل والتعذيب أمام قصر الإتحادية في خريف العام 2012)، كشفت عن تواجدهم، وعن عملياتهم وممارسات البطش والترويع، كما أن حلفاءهم من السلفيين لهم تجاربهم في إهدار الدماء ، ولهم عصبيتهم المشدودة فوق حبل من نار.
  • ورابعا: وفقا للتقارير الأمنية «السيادية»، كان الرصد متواصل لموجات تهريب الأسلحة التي اخترقت حدود مصر من ليبيا والسودان..إلى أين ذهبت ومن الذي يمول؟ فضلا عن أن سيناء تحولت إلى بؤر وأوكار في يد السلفية الجهادية، والسلفية التكفيرية، وأصبح فكر القاعدة، وفكر التكفير، وفكر تطهير الأرض من الفاسدين، أصبح صادما ومخيفا في ساحات ومواقع أخرى من مصر!! والمتشددون منهم ( وهم الأغلبية) يعتقدون بمقدار ما فهموا أن الفرصة جاءت «هبة ومنحة ربانية»، ولذلك فإن التفريط فيها أو التنازل عنها، محرم شرعا، وينأون عن محظوراتها، وربما يعتبرون الإخلال بها مجلبة للعنة يصعب عليهم التكفير عنها!!
  • خامسا: الغضب الشعبي يتصاعد في شكل موجات متتالية من تظاهرات الرفض لحكم الإخوان، والاحتقان السياسي يتصاعد ضد أخونة الدولة، وضد التيار السياسي المتأسلم..والجميع لن يتنازل عن استعادة الثورة (25 يناير 2011) وتحقيق مطالبها وأهدافها، وقد تعلموا بالتجربة أخطاء العامين الماضيين والتي أتاحت الفرصة للتيار الإسىلامي بقيادة تنظيم الإخوان، للانقضاض على الحق البازغ في مصر، ويحاولون جمع ما تستطيع أيديهم أن تصل إليه من الغنائم والأسلاب !!

وأصبح العمق المصري يموج بتفاعلات تتسارع حركتها وتتصارع عواملها، بين الذين يصرون على التغيير واستكمال الثورة بتحقيق أهدافها ومطالبها، والتي لم يتحقق منها شئ .. وبين الذين يصرون على دوام البقاء والتحكم في مفاصل الدولة، والسيطرة على المجتمع والدين!!

 

كانت شرعیة الملايين تفتح الطريق للمستقبل، وتصحح خطأ التاريخ، وتدشن قواعد  الجمھورية الثالثة (الجمهورية الجديدة):

  • والجمھورية الأولى في التاريخ المصري، بدأت مع ثورة يولیو 1952 التي ارتكزت على مفھومین أساسيين ھما : تخلیص الوطن من قیود الاستعمار والاستغلال، ورد الاعتبار إلى الشخصیة المصرية، ثم بدأ التغییر الشامل والعام سیاسیا واقتصاديا واجتماعیا .. وتحددت ملامح الجمھورية الأولى بعد سقوط الملكیة، وانھیار الفوارق الطبقیة والاجتماعیة الرھیبة، والانحیاز للفقراء، وتصاعد حركة ودور الطبقة الوسطى، وسیادة العدالة الاجتماعیة، وأن تمارس مصر دورھا الفاعل والنافذ في محیطھا العربي والأفريقي، ويمتد التأثیر إلى دول العالم الثالث، ومع نھضة ثقافیة وفنیة ساھمت في تشكیل وجدان المواطن العربي..

والجمھورية الأولى التي استندت إلى شرعیة الثورة، كان لھا منھجھا ورؤيتھا وفلسفتھا الاقتصادية والاجتماعية، وثوابت ومواقف سیاسیة تحدد مسار العلاقات العربیة والدولیة.

  • والجمھورية الثانیة استندت إلى شرعیة حرب أكتوبر 1973 وانحرفت 180 درجة عن مبادئ وثوابت ورؤية وفلسفة الجمھورية الأولى ، وحدثت التحويلة الكبرى باتجاھات مغايرة تماما ، سیاسیا واقتصاديا واجتماعیا ، ومن فكر اقتصادي إشتراكي، إلى فكر اقتصادي مختلط، لا ھو رأسمالي، ولا ھو اشتراكي ، وبدأ الانحیاز واضحا لطبقة الأغنیاء، وتصدعت التركيبة الاجتماعية المصرية، وإنھارت الطبقة الوسطى، وغابت العدالة الاجتماعیة ، وتراجع دور مصر العربي والإقلیمي، وحدث خلل كبیر في الفكر السیاسي المصري، ومن موقف عدم الانحیاز إلى الانحیاز للغرب، وجاءت الخیارات السیاسیة تفتح الأبواب لتدخل الغرب، وأن تختل رؤية المصالح الحیوية .

وتحددت ملامح الجمھورية الثانیة بتغییرات شاملة للأوضاع الاقتصادية ،والمواقف السیاسیة ، والحالة الاجتماعیة.. وشھدت الجمھورية الثانیة ولادة التجربة الحزبیة ، وھي أحزاب لم تولد ولادة طبيعية، بل جاءت كلھا بولادة قیصرية، ولأنھا ولدت في أحضان النظام فقد ظلت منھكة ، ولم تواتھا الفرصة أو لم تواتھا الشجاعة لإثبات وجودھا وفاعلیتھا.. مع إستمرار صورة الحاكم «الفرعون» الذي لايرحل إلا بالموت !!

  • والجمھورية الثالثة والتي تستند إلى شرعیة «ثورة 30 يونيو 2013»، والتي مهدت لها شرعية «ثورة 25 يناير 2011»، كانت ملامحھا قد حددتھا مطالب الشرعیة الشعبیة، بضمان كل الحريات الديمقراطیة والاجتماعیة للمصريین، ومع تحديد زمن ولاية الحاكم، وإجراء إنتخابات تعددية حقيقية ونزيهة لاختيار الرئيس، وهي بداية مرحلة جديدة في التاريخ المصري المعاصر مع الجمهورية الثالثة والتي بدأت بمؤشر له دلالاته، بتصحيح أخطاء سياسية واجتماعية واقتصادية،  واسترداد مصر لمكانتها وريادتها ونفوذها في المنطقة العربية والعالم ، بعد التراجع البائس الذي كانت عليه مصر الدولة قبل الثورة الشعبية، حين انكمشت داخل جلدها، وتضاءلت، وداهمتها التجاعيد، وتحولت من لاعب رئيسي إلى متفرج!

الجمهورية الثالثة (الجديدة) ، تشهد تحولات سياسية كبرى في الفكر والفعل، وهي رؤية وزير الدولة للشئون الخارجية الفرنسي الأسبق ، هيربرت فيدرين، مؤكدا «أن مصر التى تعد، تاريخياً، قلب العالم العربى، تم تحييدها لأكثر من 30 عاماً عن المنطقة، تاركة إياه مشلولاً، أما الآن فمصر الديمقراطية ستسعى لإعادة تأكيد نفوذها فى الشرق الأوسط، وهناك بداية «فجر» جديد للقومية العربية فى المنطقة، حتى وإن كان من غير المؤكد كيفية تطور الأحداث فى العالم العربى خلال المرحلة المقبلة»

  • ومن أبرز ملامح الجمهورية الثالثة، أن مصر بعد ثورة 30 يونيو، لن تكون هي مصر بعد هذا التاريخ ، وينطبق هذا على أوضاعها الداخلية ، ونظامها السياسي ، مثلما ينطبق علي علاقاتها الإقليمية والدولية.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]