هل تعلن أوروبا الحرب على “داعش”.. أم تغلق حدودها؟
التساؤل الذي فرض نفسه أمام الدوائر السياسية والمراكز البحثية داخل أوروبا وخارجها: هل يغير “الجمعة الأسود” أوروبا؟ أو إلى أي مدى تصل تداعيات الهجمات الإرهابية التي ضربت باريس يوم الجمعة الماضي.. هل تعلن أوروبا الحرب على “داعش” أم تغلق حدودها؟ بعد أن شكلت الهجمات الدموية في الوقت نفسه هجوماً على المشهد السياسي الأوروبي، وبات واضحا ظهور انزلاق إلى مواقف يمينية ومتشددة، مع تصاعد الدعوات في أوساط بعض الأحزاب اليمينية الأوروبية وبعض السياسيين الأوروبيين لإعادة النظر في سياسة الحدود المفتوحة وفقا لاتفاقية “شينجن” التي تسمح بإلغاء عمليات المراقبة على الحدود.
وكان الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، وجه انتقادات للاتفاقية مطالباً بوقف العمل بها لمواجهة تدفق اللاجئين السوريين، وحذر من أن بلاده ستنسحب من الاتفاقية إذا لم يتم تعديلها خلال عام، حيث تسهل على المهاجرين غير الشرعيين التنقل بين دول أوروبا الـ 25 والاستقرار في الدول ذات المستوى الاقتصادي المرتفع.
وبين دعوات “المواجهة والردع” بإعلان الحرب على تنظيم “داعش” الذي أعلن الحرب على أوروبا بعمليات إرهابية، وبين مطالب إغلاق الحدود، أصبح المشهد السياسي الأوروبي مشحونا بانفعالات تنعكس على المواقف والسياسات، فبينما طالبت زعيمة الجبهة القومية اليمنية في فرنسا ماريان لوبان، بأن تستعيد باريس السيطرة على حدودها بشكل نهائي من الاتحاد الأوروبي، وأن “تقضي على التطرف الإسلامي” بإغلاق المساجد المتطرفة وإبعاد الأجانب الذين يروجون للكراهية والمهاجرين غير الشرعيين وتجريد الإسلاميين مزدوجي الجنسية من جنسيتهم الفرنسية وترحيلهم، دعا الزعيم اليمني المتطرف المعادي للإسلام، خيرت فيلدرز، الحكومة الهولندية إلى إغلاق الحدود فورا، متهما السلطات بتجاهل الصلة بين الإرهاب والهجرة، وفي إيطاليا، كرر زعيم رابطة الوطنيين الشماليين، ماتيو سيلفاني، الدعوة إلى إغلاق الحدود الأوروبية، في حين اكتفى رئيس الوزراء الهولندي، مارك روته، بتشديد الإجراءات على الحدود الهولندية، لأن الهولنديين “في حرب” أيضا ضد تنظيم داعش، حسب تعبيره.
المراقبون يؤكدون أن أوروبا أصبحت بين خيارين: الحرب على داعش أو إغلاق حدودها.. ويشير الدبلوماسي الفرنسي مورجي لوبيان، إلى أن خيار الحرب على “داعش” فرضه التنظيم الإرهابي على أوروبا، وأن هذه المواجهة خارج وداخل الحدود سوف تطرح خلال اجتماع وزراء الخارجية والدفاع لدول الاتحاد الأوروبي نهاية الأسبوع الجاري، والخيار ليس “ترفا” ولكنه فرض فرضا بعد إعلان داعش الحرب على أوروبا .. ويؤكد “مورجي” لوكالة الأنباء الألمانية، أن القضاء على تنظيم “داعش” أصبح هدفا أوروبيا ملحا دفاعا عن أمن دول الاتحاد الأوروبي، ومن المقرر أن يتم التنسيق بين دول الاتحاد في إطار حلف الأطلسي، للمشاركة العسكرية النوعية في مواجهة “داعش” في مواقعه ومعسكراته داخل سوريا والعراق، وأن تشارك الدول الأوربية الأخرى في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
وبقي خيار إغلاق الحدود مثيرا للجدل بين المطالب بإغلاق الحدود الأوربية من الدول الأطراف في الجنوب والشرق، أو إغلاق حدود كل دولة أوربية على حدة بتشديد المراقبة والتفتيش، خشية تسلل مسلحي “داعش” وسط موجات المهاجرين التي تصل أوروبا، وهو ما يراه مركز دراسات العلاقات الدولية بجامعة السوربون، متعارضا مع اتفاقية “شينجن”، وأن الحل في وضع سياسات جديدة تكفل تأمين الحدود المشتركة بين الدول الأوروبية دون الإخلال بالاتفاقية وإعادة النظر في سياسة فتح الأبواب أمام اللاجئين.
يذكر أن الحدود بين الدول الأوروبية بدأت في الاختفاء منذ وقّعت 26 دولة منها، اتفاقية “شنجن” عام 1985.