بسام درويش يكتب: غزة تعيد توجيه البوصلة

 

داست على جراحها، لم تقف لتندب حظها العاثر أو تبحث عن وقت لتلاوم من يدير الظهر لأناتها، ومن يتفنن في تأزيم أوضاعها من أجل أن يتباكى على عذاباتها. هذه هي غزة التي تثبت من جديد أنها حامية الهوية الوطنية الفلسطينية التي هبت صفا واحدا لتكتب معجزة صمودها وتحديها، من خلال التدفق الجماهيري الحاشد الذي اندفع الى مخيمات العودة في اليوم الخامس والأربعين لمسيرة العودة الكبرى الذي تزامن مع الذكرى السبعين للنكبة، وترافق مع استفزاز الإدارة الأمريكية وتحديها السافر لشعبنا وللشعوب العربية والإسلامية وكل القوى المحبة للسلام من خلال تجاوزها لقرارات الشرعية الدولية، واختارت الذكرى السبعين للنكبة لنقل سفارتها لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي الى القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المستقلة.

في سيرها نحو السياج الفاصل بين الأرض المغتصبة قبل سبعين عاما وبات يعرف باسم إسرائيل وبين قطاع غزة احتجاجا على نقل السفارة الأمريكية الى القدس، وتأكيدا على التمسك بحق العودة، اعادت غزة توجيه البوصلة الفلسطينية من خلال الرسائل التي تضمنها هذا التحرك وأهمها أن الاحتلال الإسرائيلي هو أس المشاكل التي يعانيها سكان القطاع، ونقل السفارة الأمريكية الى القدس هو عمل عدواني سافر على حقوق وكرامة شعبنا، وبذلك تكون إدارة ترامب تؤسس لمستوطنة شيطانية في القدس. ولعل الرسالة الأبرز بين تلك الرسائل هي أن سبعين عاما من اللجوء لم تسقط حق شعبنا في العودة الى القرى والمدن التي شردوا منها. وأن رهان مؤسسي الكيان الإسرائيلي بأن الصغار سينسون قد فشل، فهاهي الأجيال الفلسطينية تتعاقب وهي تقبض على جمر حق العودة الذي لن يسقط بالتقادم.

لقد مارس الاحتلال الإسرائيلي شتى صنوف ساديته ووحشيته من أجل إرهاب الجماهير وتخويفها من المشاركة في مسيرة العودة ولكن كل اساليبه باءت بالفشل، وعندما خرجت الجماهير بمئات الآلاف في مسيرة سلمية واجهتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بكل حقد واجرام، في تحد لافت للقانون الدولي واستهتار واضح لكل الأعراف والمواثيق الدولية، فسقط اليوم الرابع عشر من أيار، يوم نقل السفارة الأمريكية الى القدس، نحو 55 شهيدا وجرح ما يزيد على الألفين . وقد تعمدت قوات الاحتلال في قنصها استهداف الصحفيين في محاولة يائسة لتغييب شهود الحدث واستبعادهم عن مسرح جريمتها، لتنسج روايتها الكاذبة وتمررها للعالم، فكان حصيلة استهداف الصحفيين لهذا اليوم إصابة أكثر من 12 صحفيا بالرصاص الحي وعدد آخر بقنابل الغاز والاختناق.

لقد سطرت غزة اليوم، ومعها جماهير شعبنا في القدس ومدن وقرى ومخيمات الضفة وفي مناطق الـ 48 وفي مخيمات اللجوء والشتات صفحة هامة من صفحات البطولة والمجد الفلسطيني، وسجلت إضافة نوعية لسجل شعبنا الكفاحي. ولا نكشف مستورا إذا قلنا أن هذا العطاء الشعبي العظيم جاء في خضم واقع فلسطيني منهك بفعل الانقسام وتداعياته. فهذا العطاء والنضال وإن كان موجها ضد الاحتلال وحلفائه فإنه في نفس الوقت يرمي الكرة في ملعب القيادة والقوى الفلسطينية. من أجل اسناد العطاء الشعبي برؤية فلسطينية موحدة تتمسك بالثوابت والحقوق الفلسطينية، وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، والعمل فورا على انهاء الانقسام. وهذا يتطلب مراجعة نقدية من السلطة وحركة حماس لإدارتهما لملف المصالحة والعمل على تغليب المصلحة الوطنية على الحسابات الضيقة.  فعلى السلطة أن تراجع سياستها إزاء سلسلة الإجراءات التي اتخذتها والتي تضمنت التضييق على المواطنين بذريعة انها بذلك تجفف مصادر الانقلاب. وعلى حركة حماس أن تدرك أن مقولتها إنها تركت الحكومة ولم تترك الحكم لا تنسجم مع ألف باء متطلبات انجاز المصالحة، فكما انه من المستحيل جمع الصيف والشتاء تحت سقف واحد من المستحيل أيضا أن تتشبث “بمغانم ” الانقسام وتنجز مصالحة. كما انه لم يعد مقبولا الاستمرار بإدارة الانقسام، لأن هذا يقود الى تأبيده في الواقع الفلسطيني.

لقد مهدت غزة بتضحياتها الجسام في هذا اليوم والتي تضاف الى سجلها المشرف في البطولة والنضال، الأجواء للبدء بتصحيح المسار الفلسطيني.. فهل تلتقط اللحظة قبل أن تضيع؟

والى أن يقدم المستقبل اجابته على هذا التساؤل.. أختم بما كتبه محمود درويش عن غزة تحت عنوان صمت أجل غزة:

“ليست أرقي المدن وليست أكبر المدن. ولكنها تعادل تاريخ أمة. لأنها اشد قبحا في عيون الأعداء، وفقرا وبؤسا وشراسة.

لأنها أشدنا قدرة على تعكير مزاج العدو وراحته. لأنها كابوسه.. لأنها برتقال ملغوم وأطفال بلا طفولة وشيوخ بلا شيخوخة، ونساء بلا رغبات، لأنها كذلك فهي أجملنا وأصفانا وأغنانا وأكثرنا جدارة بالحب.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]