طلال عوكل يكتب: سقوط أوهام القوة المطلقة

في عالم اليوم لا مجال لما يسمى بالقوة المطلقة، في ظل عالم متغير تزداد فيه عضوية النادي النووي، وتتراجع فيه قوى لتتقدم عليها أخرى، فيما تتعدد مراكز القوى العالمية، وتتعارض فيما بينها المصالح الاستراتيجية.

إسرائيل دولة نووية منذ عقود طويلة، وهي مدججة بالأسلحة الفتاكة والقدرات التكنولوجية، ويحظى جيشها بخبرات عالية، حيث بالإضافة إلى كونها دائما في حالة حرب، فإنها لا تتوقف عن إجراء المناورات والتدريبات، وتحديث ما تمتلكه من إمكانيات. غير أن ما تمتلكه إسرائيل من قدرات لا يستهان بها، ويعتقد القائمون على السياسة فيها بأنها تتفوق على كل من يحيط بها، إلا أنها لا تملك الأهلية لأن تتصرف باعتبارها قوة مطلقة قادرة على خوض حروب متعددة الجبهات، مع ضمان تحقيق الانتصار، حتى لو أنها تراهن على أن يظل الظهير الأمريكي حاضرا في معاركها. المنطق الاسرائيلي بشأن تفوقها على من حولها من الجيوش العربية وغير العربية، يشكل تكاملا مع مشهد الدولة المارقة، التي تضع نفسها فوق القانون الدولي.

تغالي إسرائيل كثيرا في غلوها وطغيانها وعنجهيتها، لكن كل ذلك مرهون بأول اختبار حقيقي. ما وقع فجر يوم السبت الماضي، العاشر من الشهر الجاري، على الجبهة الشمالية مع سوريا يشكل اختبارا جادا لادعاءات إسرائيل وقدرتها على الاستجابة لمن يفكر بالمراهنة عليها في المنطقة. تعودت إسرائيل أن تنتهك السيادة السورية، وتقوم بعمليات قصف لمنشآت عسكرية، بدعوى أنها مخازن أو قوافل أسلحة لحزب الله، وكان الجواب السوري التاريخي، ان الرد سيأتي في الوقت والمكان المناسب، غير أن الرد لم يقع. تتناقض الروايات حول أسباب القصف الإسرائيلي لاثني عشر موقعا عسكريا، تقول إسرائيل إن من بينها أربعة مواقع إيرانية. ثمة أهداف وراء القصف الإسرائيلي هذه المرة، بعد أن فشل نتنياهو في إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأن يخلي سوريا من الوجود الإيراني، وكأن روسيا تمتلك وحدها القرار بشأن الوضع السوري.

تدرك إسرائيل أن أوضاع النظام السوري اليوم مختلفة عما سبق، حيث يسيطر مع حلفائه على معظم الأراضي السورية، وأنه في وضع يشير إلى إمكانية إلحاق هزيمة شاملة بجماعات المعارضة المسلحة بعد الهزيمة التي لحقت بتنظيم داعش الإرهابي. أرادت إسرائيل اختبار مدى تأثير التحولات في سوريا على قرار النظام وحلفائه، إزاء أي اعتداء عسكري تقدم عليه، غير أنها فوجئت بأن الرد هذه المرة جاء مختلفا مما يعني أن سوريا وحلفاءها أصبحوا في وضع يمكنهم من التصدي لأي عدوان إسرائيلي.

وتحاول إسرائيل أيضا أن تختبر مدى تماسك حلفاء النظام، وما إذا كانوا سيقفون إلى جانبه في حال وقوع مجابهة على الجبهة الشمالية، وهو أمر واقع لا محالة، إن لم يكن اليوم فغدا، فوجدت أن الحلفاء يقفون إلى جانب النظام. وتحاول إسرائيل اختبار أنواع الأسلحة التي يمتلكها الجيش السوري، الذي تعتقد إسرائيل أنه منهك ويعاني من ضعف الإمكانيات، ففوجئت بقدرة الدفاعات الجوية السورية على إسقاط طائرة مقاتلة من نوع (أف 16)، الأمر الذي يثير مخاوف إسرائيل في أي مواجهة قادمة، تعرف إسرائيل أن سوريا وحلفاءها ليسوا بوارد المبادرة لشن حرب عليها، خصوصا في هذه الظروف ولذلك لم يكن من بين أهداف عدوانها على سوريا اختبار مدى مناعة جبهتها الداخلية، إذ أن الإجراءات كانت محدودة و لوقت قصير. إلى ذلك ربما نضيف بأن إسرائيل حاولت أن تبعث برسالة غير مباشرة لتأكيد مصداقية التزامها واستعدادها لمواجهة التمدد والنفوذ الإيراني في المنطقة. هذه هي حدود التصرف العدواني الإسرائيلي بالمعنى العام، بدون أن نتجاهل دوافع بنيامين نتنياهو لتسخين الأوضاع هربا من الملاحقة القانونية، على خلفية قضايا فساد. الفشل الإسرائيلي في تحقيق أي هدف، أحدث جدلا بين الأوساط العسكرية والأمنية وبين نتنياهو الذي تتهمه الأجهزة بالانفراد في اتخاذ القرار بدون مراعاة المستوى الأمني. لم يمر كثير من الوقت حتى أخذت إسرائيل تتحدث عن عدم رغبتها في التصعيد، والتوجه لروسيا بنداء للعمل من أجل احتواء الموقف، فيما رفعت إيران وحلفاؤها من لهجة الوعيد والتحدي. ومع هذا الفشل ابتلع المسؤولون الإسرائيليون ألسنتهم ومنع نتنياهو وزراءه من الحديث، وتراجعت قليلا لغة التهديد الواثق، والعنجهية المستندة إلى وهم القوة المطلقة، الاختبار الإسرائيلي على الجبهة الشمالية وإن كان محدودا، فإن تداعياته اللاحقة تذهب إلى حدود أوسع، قد تؤثر على مدى نجاح الولايات المتحدة في تحقيق الأهداف التي تسعى لفرضها على المنطقة تحت عنوان صفقة العصر.

والسؤال هنا يتصل بما إذا كانت إسرائيل مستعدة للمغامرة وتحمل تكاليف الاستحقاقات المطلوبة منها في إطار دورها لإنجاح صفقة العصر، أم أن فشلها سيتسبب في ضرب مصداقية ادعاءاتها، خصوصا فيما يتعلق بالأبعاد الإقليمية، وبما إذا كان بمقدورها أيضا أن تتجاوز مع الولايات المتحدة الدور والوجود الروسي القوي على حدودها الشمالية؟.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]