أحمد المصري يكتب: هل يغرد الإعلام العربي حسب الممول؟

لطالما اعتبر العرب أن الإعلام لصيق الحروب، خاصة اذا كانت تلك الحروب في المنطقة التي تعوم على خزان من النفط، مما يجعل لديها فائضًا من الأموال، وبدلا من أن تصب تلك الأموال في مجالات التنمية البشرية والبنى التحتية لتلك الدول، فإنها وظفت تلك الأموال أو جزءًا ليس يسيرًا منها للسيطرة على السوق الإعلامي العربي بأي ثمن وبأي طريقة، ضاربة عرض الحائط بكل ما هو مهني أو حيادي في مهنة الصحافة التي أصبح حالها لا يسر عدوًا ولا حبيب.

وحتى نكون واقعيين ولا نرمي جل ما وصل إليه حال الإعلام العربي على الدول النفطية وحدها، لا بد من ذكر أن الدول الخليجية لم تك الأولى في عملية السيطرة ودعم الإعلام العربي في المنطقة، بل سبقتها مصر التي تعتبر من أولى الدول آنذاك في مهنة الإعلام، فإبان حكم جمال عبد الناصر، قام ناصر بدعم صحيفة “الأنوار” اللبنانية في مواجهة “الحياة” التي دعمتها السعودية أيّام كامل مروّة.

وهذا يجعلنا ندخل في لب القضية وهي “الأجندات السياسية”، فأغلب المشاريع الاعلامية العربية لها “أجندات”، وتتغير تلك الأجندات حسب الممول، وحتى نمعن في التأكيد فإن معظم وسائل الإعلام العربي لديها “أجندات” وأتت بوظيفة معينة، وهي “التصدي” للإعلام المعادي للممول ودولته وترويج الدعايات أيضا للممول ودولته.

وعقب اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 تم منع الإعلام المصري من الدخول إلى الدول العربية فكانت هناك حاجة لملء الفراغ الذي تركه الإعلام المصري، فظهرت صحيفة “الشرق الأوسط” من لندن بتمويل سعودي، وعقب ذلك بعشر سنوات تحديدا في عام 1988 ظهرت صحيفة “الحياة” من لندن وبيروت أيضا وبتمويل سعودي (والتي من المتوقع أن تغلق أبوابها في نهاية العام الجاري وتنتقل الى دبي)، وبعدها بعام في 1989 ظهرت صحيفة “القدس العربي” بتمويل منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، والتي أصبحت تملكها قطر منذ عام 2013، حسبما ذكر موقع “ويكيبيديا”.

ومع بدايات حرب الخليج وتصاعد الأزمات في المنطقة بدأ انطلاق الفضائيات، ففي عام 1991 أطلقت السعودية قناة “ام بي سي” وكانت أول محطة فضائية عربية شاملة، محدثة نقلة من الإعلام الورقي الى الفضائي، وفي عام 1995 أطلقت قطر قناة “الجزيرة”، فتبعتها السعودية عقب ذلك وتحديدا في عام 2003 انطلقت قناة “العربية”، والآن هناك اكثر من 9000 قناة ومحطة فضائية عربية.

ورغم المسميات التي كانت تطلقها وسائل الإعلام تلك على نفسها ولا زالت ومنها (صحيفة العرب الأولى، الصحيفة العربية المستقلة، قناة الرأي والرأي الآخر.. وغيرها) إلا أنها كانت ولازالت تخدم أجندات مموليها بطريقة أو بأخرى.

هذا السرد التاريخي البسيط لنشأة الإعلام العربي في العصر الحديث، كان لا بد منها للوقوف على مآلات الاعلام العربي وأسباب انحداره، ففي السابق كان التركيز على دغدغة مشاعر الجمهور العربي بقضايا قومية وعربية هو جل اهتمام الصحافة العربية وأبرازها للمتلقي العربي، وكانت القضية الفلسطينية هي الجامعة للمشاهد أو المتلقي، ومع حروب الخليج من دخول الرئيس العراقي صدام حسين الى الكويت ثم تحريرها والحرب على العراق والاحتلال الأمريكي للعراق وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل تراجع المشروع القومي العربي وانفجار الأزمات في المنطقة لم تعد القضية الفلسطينية هي محور الإعلام العربي وأصبحت القضايا مختلف عليها بين وسائل الإعلام وحتى بين المتلقين.

 وبدأت قضايا أخرى تسيطر على وسائل الإعلام العربي، فبرزت قضية “الربيع العربي” والتغيير في العالم العربي، ورغم أن العالم العربي كان تواقا للتغيير إلا أنه لم يكن يعرف أن الثمن سيكون باهظا الى هذه الدرجة، واستغلت فضائيات وصحف عربية مواقعها لنشر خطاب الكراهية والطائفية والتقسيم، ودخلت مسميات جديدة على الوصف الإعلامي، ومنها: شيعي ـ سني ـ نظام ـ معارضة ـ إخوان ـ إرهابي ـ قتيل ـ شهيد، وأصبحت كل وسيلة إعلام لها كلماتها الدلالية حسب موقف الممول أو الدولة التي تملكها.

وعلى سبيل المثال لا الحصر كانت قنوات مثل “الجزيرة” ـ والتي تمولها قطر ـ تدغدغ مشاعر المشاهد العربي بخطاب معادي للولايات المتحدة في حرب العراق، وضد اسرائيل وتناصر قوى راديكالية مثل حركة حماس وجماعة “الاخوان المسلمين” وفي نفس الوقت كانت الطائرات الأمريكية تقوم بقصف المدن العراقية انطلاقا من قاعدة العديد في الدوحة، وتلتقي بالمسؤولين الاسرائيلين حتى داخل المحطة نفسها والتي كانت ولا زالت تصدح ليلا ونهارا بخطاب يعتبر معاديا لاسرائيل.

هذه الدغدغة جعلت “الجزيرة” تتمتع برصيد عال لدى المشاهد العربي، إلا أنها وظّفت هذا الرصيد في مشروعها الذي صار مشروع فوضى في ليبيا واليمن وسوريا ومصر، ونحن نرى نتائج هذا المشروع اليوم.

وفيما كانت قنوات مثل “العربية” وصحف مثل “الشرق الأوسط” و”الحياة” متحفظة في آرائها رغم أنها كانت تستضيف كتابا ليبراليين، الا أن الحواجز الدينية كانت تمنع تلك الصحف والمحطات من التعرض لتابوهات العالم العربي، وكانت تمارس رقابة ذاتية وضعها المجتمع المحافظ الذي تنتمي له الدولة الممولة، ورغم محاولات كتاب كثر كسر هذه التابوهات إلا أنهم كانوا دائما ما يجدون أنفسهم مضطرين لنشر آرائهم عبر وسائل إعلام أخرى، ومنها وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة عقب الثورة المعلوماتية.

ورغم أن الحديث عن الثورة في بعض الدول العربية والخليجية خصوصا أمر من المحرمات، إلا أن وسائل الإعلام الممولة من تلك الدول ناصرت الثورات في دول ما يسمى بـ”الربيع العربي” في البداية، إلا أنها عادت وصوبت بوصلتها، ووقفت بحزم أمام الحراك الذي اشتعل في جارتها مملكة البحرين، وبرغم رأيي الشخصي تجاه تلك “الثورات” والتي أعتقد أنها كانت مدخلا للفوضى في العالم العربي، إلا أن حرية التعبير في الإعلام العربي لا يجب أن تتجزأ بين دولة وأخرى عندما تتناولها وسائل الإعلام، كما أن التنظير للديمقراطية لا يصح أن يصدر عن وسائل إعلام لا تستطيع الحديث عن الديمقراطية في الدول التي تمولها.

ومن هنا بإمكننا القول: إنه لا يوجد وسيلة إعلام عربية مستقلة بالمطلق، رغم أن بعضها يتبنى قضايا عادلة، بالمعنى المجرد للكلمة، فوسائل الإعلام العربي لازالت أسيرة لمموليها، وتغرد حسب الدولة التي تقوم بدفع فواتيرها ومعاشات موظفيها آخر الشهر.

 
* كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في لندن

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]