كان الكاتب الأردني «ناهض حتـّـر» يخطو خطواته أمام محكمة قصر العدل في منطقه العبدلي بالعاصمة الأردنية عمّان ليـُحاكم أمام القضاء بتهمة «الإساءة للذات الإلهية»، لكن جهة مجهولة حتى الآن كانت قد أصدرت الحكم على الرجل بالإعدام رغم نفي التهمة، التى دار حولها جدل كونها تصفية سياسية أو إساءة متعمدة، ليحسم صوت الرصاص الأمر، ويسقط الرجل قتيلا في ساحة المحكمة بثلاث طلقات في الرأس صباح اليوم الأحد.
تعود تفاصيل القضية إلى أغسطس الماضي حيث نشر الكاتب كاريكاتيرا « مسيئا للذات الإلهية» عبر صفحته الشخصية فيسبوك، وأثار ردود فعل غاضبة في الشارع الأردني، وتقدم عدد من المحامين ببلاغات رسمية تتهم الكاتب بإثارة النعرات الدينية ، والنيل من الوحدة الوطنية، وتعكير صفو العلاقات بين أبناء الوطن.
تصفية سياسية أم إساءة دينية؟
ونفى حتـّـر تهمة «الإساءة للذات الإلهية» جملة وتفصيلا ووصفها بـ«الباطلة»، إذ قال إن «يسخر من الإرهابيين وتصوّرهم للرب والجنة، ولا يمس الذات الإلهية من قريب أو بعيد، بل هو تنزيه لمفهوم الألوهة عما يروّجوه الإرهابيون، وأنه لا ولن يقبل من أحد التطاول أو الإساءة للذات الإلهية، وهناك فهم خاطئ للرسم المنشور على صفحته».
وأكد «أن الذين غضبوا من هذا الرسم نوعان: أناس طيبون لم يفهموا المقصود بأنه سخرية من الإرهابيين وتنزيه للذات الإلهية عما يتخيل العقل الإرهابي؛ وهؤلاء موضع احترامي وتقديري، وهناك «إخوانجية داعشيون» يحملون الخيال المريض نفسه لعلاقة الإنسان بالذات الإلهية، وهؤلاء استغلوا الرسم لتصفية حسابات سياسية لا علاقة لها بما يزعمون».
الخطوط الحمراء
وأصدر رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي قرارا بالتحقيق مع الكتاب، وطالب بسرعة التحقيق معه، جاء فيه « أنه لن يسمح بتجاوز الخطوط الحمراء للمقدسات، وأن القوانين ستطبق بحزم على كل من يقوم بمثل هذه الممارسات الطارئة على المجتمع الأردني المتديّن والمحافظ، والمدافع دوما عن حرمة الدين والمقدسات، علما بأن حرية التعبير مصانة للجميع لكن ضمن المحددات الدستورية والقانونية».
سلم الكتاب نفسه برفقة محاميه للأجهزة الأمنية التي أحالته لمحافظ العاصمة خالد أبوزيد، وجرى التحقيق معه ودافع عن نفسه بأنها تصفية سياسية لا علاقة لها بالذات الإلهية.
العشيرة تنتفض
وأعلنت عشيرة حتر الأردنية، التي ينتمي اليها الكاتب ناهض حتر، رفضها الكامل لنشر أي رسم أو نص أو إشارة فيه إساءة للذات الإلهية، واستنكرت تهديدات ابنها بالقتل، خاصة بعدما اعتذر عن مشاركته للرسم المسيئ على فيسبوك، وأشارت إلى أنه نقل الرسم كغيره من مستخدمي الفيسبوك لاعتقاده بأنه ينزّه الذات الإلهية، بخلاف ما تروّج له المنظمات الإرهابية في التغرير بشبابنا ودفعهم للقيام بأعمال إرهابية”. كما أكد أنه لم يقصد قطعيا “أي إساءة للذات الإلهية أو لمشاعر المؤمنين” بل تنزيه الدين الإسلامي الحنيف وفصله عن طريقة تفكير الجماعات المتطرفة، والدليل على مقاصد ابننا ناهض كتاباته ومواقفه المناهضة للحملات الإعلامية الصهيونية التي تمثّلت برسوم كاريكاتورية، استهدفت الدين الإسلامي في صحف أوروبية».
ووجه المدعي العام الأول في العاصمة الأردنية عمّان القاضي عبدالله أبوالغنم تهمتي «اثارة النعرات المذهبية» و«إهانة المعتقد الديني»، وأعلن حظر النشر في القضية.
رصاص في ساحة المحكمة
في مستهل الشهر الجاري تم الإفراج عن الكاتب على ذمة القضية التي كان من المقرر لها إصدار الحكم اليوم لكن جهة مجهولة حتى الآن أصدرت حكم الإعدام على الرجل، وأرسلت أحد مسلحيها ليقتل الرجل في ساحة المحكمة.
وأعلنت مصادر في الأمن العام الأردني أن اغتيال الكاتب الأردني ناهض حتر جاء على يد قاتل خمسيني وعلى ما يبدو ذو خلفية دينية وكان يرتدي ملابس سلفيين وذو لحية طويلة ومن منطقة الهاشمي الشمالية وهي منطقة في شرق عمان، ودخل البلاد أمس السبت من دولة مجاورة، رجحت بعض وسائل الإعلام أنها سوريا، ما فتح بدوره سؤال عن هل تقف الصداقة التى جمعت بين بشار الأسد وحتر وراء تصفية الكاتب؟
كان حتر قريبا من النظام السوري، وحزب الله اللبناني، وكان دائم الهجوم على المعارضة السورية وتنظيم داعش معا، بل وحتى اللاجئين السوريين، الذي وصف رحيلهم بأنه ليس بخسارة، ولا يعد نزفا ديموغرافيا، متهمهم بالتواطؤ ضد بلدهم.
حتر في سطور
ناهض حتر، كاتب وصحفي يساري أردني، من مواليد العام 1960، تخرج في الجامعة الأردنية ويحمل درجة الماجستير في الفكر السلفي المعاصر، هو عراب الحركة الوطنية الأردنية في العقد الأول من القرن الحالي، سجن مرات عديدة أطولها في الأعوام 77 و79 و96، وسبق أن تعرض لمحاولة اغتيال سنة 98 أدت به إلى إجراء سلسلة من العمليات الجراحية، اضطر لمغادرة البلاد لأسباب أمنية إلى لبنان سنة 98.
له عدة اسهامات فكرية في نقد الإسلام السياسي، والفكر القومي والتجربة الماركسية العربية، بالإضافة إلى إسهامه الأساسي في دراسة التكوين الاجتماعي الأردني، من أبرز مؤلفاته: (دراسات في فلسفة حركة التحرر الوطني، والخاسرون: هل يمكن تغيير شروط اللعبة؟، وفي نقد الليبرالية الجديدة، والليبرالية ضد الديمقراطية، ووقائع الصراع الاجتماعي في الأردن في التسعينيات، والملك حسين بقلم يساري أردني، والمقاومة اللبنانية تقرع أبواب التاريخ، والعراق ومأزق المشروع الإمبراطوري الأمريكي.
نعاه وزير التنمية السياسية والنائب السابق محم داودية فقال: “اغتال الإرهاب الكاتب المفكر الكبير ناهض حتر، وخسر الأردن كاتبا ومفكرا معتدلا ، كشف زيف الإسلاميين المتشددين والذين لم يتحملوا تعريتهم فاغتالوه”.
