رياض أبو عواد يكتب: خيال مآتة.. لغة مختلفة وآفاق مفتوحة على قراءات متعددة

قدّم فيلم “خيال مآتة” للمخرج خالد مرعي، والمؤلف عبد الرحيم كمال، وبطولة أحمد حلمي، ومنة شلبي، لغة سينمائية مختلفة، وفتح آفاقا لإعادة قراءة المشهد الحياتي الحالي بأوسع أبوابه، إلى جانب ترك الباب مفتوحا أمام تعدد القراءات والرؤية لهذا العمل الفني المغاير لمسيرة الفنان وللنمط السينمائي القائم.

ويبدو أن تقديم الجديد يحمل دائما العديد من الانتقادات في المجتمعات المحافظة التي تضع كل إنسان ضمن الصورة التي تفكر بها، دون أن ترى إمكانية التغيير نحو الأفضل أو الأسوأ فالمقاييس الجاهزة قد تخلق العديد من الإساءات في فهم العمل الإبداعي الذي نشاهده.

وتركزت الانتقادات بشكل رئيسي على الأداء الكوميدي المتوقع من الفنان أحمد حلمي، الذي خيب آمال المتفرجين، وقدّم نموذج آخر من الكوميديا الذي رآه البعض باردا وساذجا لا معنى له.

كل هذه الانتقادات لا تهمني في رؤيتي للفيلم الذي طرح أسئلة أساسية منذ بدأت مشاهدته، وهو لماذا بروش أم كلثوم دون غيرها؟ لماذا اختار تاريخ 1968؟ إلى جانب سؤال آخر لا يقل أهمية عن قيمة بروش أم كلثوم والتاريخ وهو ماهية هذا الكيان المهيمن على مسار الفيلم؟

وطرحت الأسئلة خلال مسار الفيلم الذي يؤدي فيه الفنان أحمد حلمي دور الجد الثمانيني، ودور الحفيد الشاب، والأحداث تكشف مسار هذه الأسئلة وتكشف عنها بشكل غير مباشر من خلال الفيلم، والفيلم الآخر المركب في داخل الفيلم في سبيل إعادة الذاكرة لفنان حسن حسني الذي يلعب دورا مركزيا في الفيلم فهو صانع النسخ المزورة من البروش.

 

 

والبروش في الفيلم يشكل الخط الدرامي الذي تدور حوله الأحداث، والفنان حسن حسني هو من قام بتقليد البروش، وعمل نسختين مزورتين منه، نسخة قدمها حلمي للكيان ليكون عضوا فيه، ونسخة قدمها لحبيبته فيفيان، في حين خبأ حسن حسني دون علم صديقه أحمد حلمي الجد البروش الحقيقي داخل الغطاء الداخلي للتلفزيون.

تكشف الأحداث أن الكيان المتمثل بالفنانين الملتحي عبد الرحمن أبو زهرة، والفنان رشوان توفيق ولطفي لبيب، وأنعام سالوسة، وانضم لهم فيما بعد حلمي، ويتبين من خلال المخزن الذي يحتفظ بالبروش في داخله أن الكيان سرق الكثير من التراث بدءا من الذهب مرورا باللوحات و المخطوطات وغيرها من المنتجات الثمينة معنويا وماديا.

وذلك عند قيام أمير من أحد الدول العربية ومنافسه رجل الأعمال (خالد الصاوي) يتنافسان على شراء البروش.

 

ومن أجل استعادة البروش الأصلي يبحث حلمي الجد عن صديق الشباب (حسن حسني) لتزوير نسخة جديدة من البروش ظنا منه أن البروش الاصلي هو الموجود في المخزن إلا أنه يجد حسني مصابا بالزهايمر.

مما يفرض عليه التصالح مع حفيده الذي حرمه وأمه من الخيرات التي يعيش فيها لأنه يشبهه في مرحلة الشباب بشكل كامل، ويستعين بمنة شلبي (آسيا) ليستعيد الحفيد وبناء ديكورات فيلم تعود إلى الزمن الذي جمعها وصاحبه ويقنع الطبيب المعالج لصديقه حسن حسني بإحضاره لإعادته لنفس الظروف التي سبقت فقدان الذاكرة عسى أن يستعيد ذاكرته.

في الفيلم المركب داخل الفيلم يكتشف حلمي الجد أن صاحبه أخفى البروش الأصلي، وسلمه المزور، إلى جانب قيامه بكتابة رسالة إلى حبيبته يكشف لها فيها ان حلمي الجد أهداها (بروش) مقلدا لا البروش الحقيقي، فتهجره وتهرب تاركة البروش والرسالة في شقتها.

يكتشف حلمي خلال أحداث الفيلم المركب أنه عاش حياة مزيفة، بداية من إخفاء البروش الحقيقي، انتهاء بأن حبيبته لم تهجره، لأنها طمعت في البروش، بل لأنه قام بخداعها فيتغير موقفه إثر ذلك، إلى جانب تأثير حفيده عليه، الذي لعب دوره شابا في الفيلم المركب، ولعب دوره شيخا في العلاقة مع رجل الأعمال.

هذا المسار الذي اتخذه الفيلم يفرض إجابة الأسئلة  الثلاثة لماذا بروش أم كلثوم ولماذا عام 1968 ولماذا كيان بدلا من مافيا أو عصابة  فالإجابة عليها تفتح أمام المتفرج المتسائل والصادق مع نفسه بوابة الفيلم من أوسع أبوابها.

التاريخ يشير إلى سنة بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967، وما عنته هذه الهزيمة ليس على الصعيد المصري والعربي فقط بل الصعيد العالمي ومتغيرات سياسية كثيرة على أكثر من صعيد محلي  وعربي وعالمي.

وأم كلثوم ليست شخصية نكرة في هذا التاريخ بل صنو لجمال عبد الناصر الذي لم يجد زعيم في العالم شعبية واجهت شعبيته عبر التاريخ أن كان على صعيد محلي أو عربي أو عالمي. وكان يقارن بزعماء أكبر دول العالم من الرئيس الروسي خروتشوف وجون كنيدي ونهرو وشوان لاي وماو تسي تونغ .

فهي صنو عبد الناصر في المجال الفني والثقافي وأحد روافد الإبداع الوطني في المراحل الصعبة في تاريخ مصر المعاصر منذ منتصف القرن الماضي، وحتى يناير 2011، حين كان صوتها يعلو في ميدان التحرير، رغم مرور ما يقارب الـ 40 عاما على رحيلها عن عالمنا، فهي الغائب الحاضر أبدا في الوجدان المحلي والعربي و لا خلاف حولها.

فهي الشخصية التي اكتئبت بعد هزيمة يونيو/حزيران، وقررت الاعتزال بعد اتهامها من قبل البعض في أن أغانيها كانت سببا في هذه الهزيمة، وأعادها للحياة عبد الناصر، فبدأت في إقامة الحفلات دعما للمجهود الحربي داخليا وعربيا وخارجيا وجمعت الملايين من الدولارات ومئات الكيلوجرامات من الذهب في سبيل ذلك.

سرقة بروش أم كلثوم إذا لا تعني فقط سرقة حلية ثمينة بقدر ما تعني سرقة تراث ثقافي وطني ساهم في مقاومة الأعداء الذين استهدفوا مصر منذ بدأت الرأسمالية الأوروبية بالظهور بقوة وعملت على تحجيم محمد علي باشا في مصر وفي العام 1840، وانعكاس ذلك على المنطقة خصوصا بعد فتح قناة السويس.

ويأت السؤال الثالث الكيان وماهية الكيان؟  أليس هم ممثلي من تضرروا من ثورة 1952 وداعميهم، والدول الرأسمالية التي تستمر في عملية نهب البلاد، أليس هم من مهد للانقلاب على الناصرية وصعود الرئيس المؤمن أنور السادات وسياسته في الانفتاح الاقتصادي، وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد من الكيان الصهيوني.

إلى جانب أن كلمة كيان الدارج استخدامها بالعربية مرتبط بإقامة الكيان الصهيوني، وليس الدولة الصهيونية، ألا يشكل الاسم إسقاطا آخر؟ فقد كان أسهل أن يستخدم مافيا أو عصابة ولكن اختيار كلمة كيان ألا تعني شيئا؟

وهذا الكيان التابع  لا يمانع من أي بيع البروش لمن لا يملكون من التراث شيئا، لكن يمكنهم أن يدفعوا من المال المنهوب بحرمان شعوبهم من ثرواتهم، وإفساد المجتمع العربي بصرف المليارات، هذا هو معنى سرقة البروش رمز المقاومة والثقافة والفن رمز الوطن.

ومقابله يتم بواسطة الكيان أليس وجود الملتحي إشارة للإسلام الشكلي، الذي أفسد الجمال المنير في بلادنا  باختراعه التيارات الإسلامية الإرهابية، وتدمير أي رغبة حقيقية في التغيير في أي بلد عربي.

إلى جانب الهيمنة على التراث الثقافي والفني في البلاد العربية، بما يدخل ضمنها شراء تراث لهم، بداية من التراث السينمائي، إلى المخطوطات واللوحات، وغيرها مع ملاحظة الفارق بين الشعوب والحكام في هذه البلاد النفطية، فليس الجميع في سلة واحدة.

إلى جانب إظهار مافيا الرأسمالية في أسفل صورها، كما عبرت عنها شخصية رجل الاعمال التي أداها الفنان خالد الصاوي، المرتبط أيضا بالغرب، والذي يبيع نفسه من أجل المرأة، وهي هنا رمز غربي باقتدار.

يعتبر البعض أني أبالغ في إعطاء الفيلم أبعادا أكثر مما يحملها، وهذا محتمل جدا، ولكن الأسئلة المطروحة حددت أفقا تاريخيا يجب أن تراه، فالمدينة ليست مباني وحفلات، المدينة حياة تجري فيها دماء، وتنبض ضمن لحظتها وسياقها، بما تملكه اللحظة من سمات، وأعتقد أن غالبية الرؤية الانتقادية التي تعرضت للفيلم لم تر هذا السياق وعزلته عن مساره التاريخي.

وأعتقد أن حلمي هنا قدم أنضج أفلامه، ومن أجملها ايضا، من خلال إبداعات المخرج خالد مرعي.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]