إميل أمين يكتب: الولايات المتحدة وأزمات الشرق الأوسط

إميل أمين

 ذات مرة من أربعينات القرن العشرين، أشار رئيس وزراء بريطانيا العتيد، ونستون تشرشل، إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، قد تتأخر في الفعل، لكنها في النهاية تفعل الشئ الصحيح.

هل لاتزال أمريكا التي تحدث عنها بطل الحرب العالمية الثانية، هي عينها أمريكا جوزيف بايدن المحاصرة من الداخل بجائحة لا يعرف أحد مداها أو متى منتهاها، وفي ظل إقتصاد متراجع بشكل مخيف، وفي ضوء نحو 54 مليون جائع، والعهدة هنا على صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية الشهيرة؟

لنأخذ ثلاثة أمثلة لقضايا شرق أوسطية، ترتبط ارتباطا جذريا بنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، ولنحاول من خلالها الحكم على قدرات واشنطن في الوقت الراهن.

لنبدأ من عند القضية الفلسطينية، والتي تعرضت لعسف شديد في زمن إدارة ترامب، والتساؤل: “هل بايدن قادر على التراجع عن القرارات الكارثية التي اتخذها ترامب؟.

بالرجوع إلى تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، يخلص القارئ إلى أن واشنطن لن تتراجع عن اعتبار القدس عاصمة إسرائيل الموحدة، كما لن تعود بسفارتها إلى تل أبيب، بعد أن نقلها ترامب إلى القدس.

والشاهد أنه رغم تصريحات بايدن في مرات عدة بشأن دعمه لفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، إلا أن واقع الأمر يختلف اليوم، لا سيما بعد أن صار سيد البيت الأبيض، وعليه تخليص الخيوط المتشابكة ما بين واشنطن وتل أبيب، ولا يتوقع أن تقبل حكومة نتانياهو، أو غيرها، إعطاء أولوية أو أفضلية لإشكالية الصراع مع الفلسطينيين، قبل الانتهاء من ملف خارجي أخطر، بل أكثر آنية، ويتهدد مسيرة الدولة العبرية في الحال والاستقبال، ونعني به الملف النووي الإيراني.

الذين تابعوا تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو نهار الجمعة 19 فبراير الجاري، باتوا على يقين بأن تل أبيب عازمة على عدم حيازة إيرن سلاحا نوويا.

هنا تطفو القضية الثانية من القضايا التي تتقاطع فيها خطوط واشنطن والمنطقة العربية والخليجية، ذلك أن إدارة بايدن تبدو  عازمة على العودة سريعا إلى حديث الاتفاق مع الإيرانيين حول البرنامج النووي، وإن كان العالم برمته يتساءل: “ما الذي يستدعي هذه العجلة من إدارة بايدن”؟

لاتبدو إيران راغبة في تقديم أي تنازل لإدارة بايدن، بل أن كافة التصريحات الصادرة عن المرشد الأعلى خامنئي، تقود إلى القطع بأن طهران لن تتنازل قيد أنملة عن تصعيدها النووي، قبل أن ترفع واشنطن العقوبات مرة واحدة عنها.

والثابت أن إدارة بايدن لا تبدو على قلب رجل واحد بالنسبة لإيران، ولا نغالي إن قلنا أن أوراق القوة الناعمة لدى  الأمريكيين تتضاءل يوما تلو الآخر، فبعد أربع سنوات من العقوبات الأمريكية، لاتزال إيران ماضية في برنامجها النووي، بل وتهدد برفع مستوى التخصيب يوما تلو الآخر، ومن الداخل الأمريكي ترتفع التحذيرات من قرب امتلاك  إيران ما يكفي من يوارنيوم مخصب لإنتاج قنبلة نووية.

الملف الإيراني اتسع بالفعل على واشنطن، وقد أصبحت رقعة الشطرنج الإدراكية الإيرانية ملعبا أمميا، فروسيا من جهة، والصين من جهة أخرى، تستغلان الوضع المحتدم، كل من أجل تحقيق أهدافه البراجماتية الضيقة، والحديث عن تأجير إيران بعض من جزرها في مياه الخليج العربي للصينيين،  كفيل بأن يغير الأوضاع ويبدل الطباع الاستراتيجية.

هل ستتنازل واشنطن لطهران؟ حكما هذا لن يحدث، فالولايات المتحدة الأمريكية مصرة على حرمان إيران من حيازة السلاح النووي، لكن علامة الإستفهام: “كيف ستفعل ذلك”؟.

لم تفلح الدوافع الإيجابية في حث طهران على وقف برنامجها النووي، وباتت هناك أزمات أخرى متراكمة  في مقدمها  إشكالية الصواريخ الباليستية الإيرانية وبرامجها للأقمار الاصطناعية، وتمددها البحري عبر زيادة عدد قطعها البحرية.

وبالقدر نفسه، فإن أمريكا اليوم ليست في وضع يسمح لها  بإعلان الحرب على الإيرانيين، فلديها في الداخل من الأزمات ما يقطع عليها الطريق في هذا الاتجاه، وحتى فكرة العمليات الجراحية الإنتقائية، ستفيق منها إيران أقوى وأكثر صلابة، بل ربما تفيد الملالي في تجميع قوى الإيرانيين في الداخل بعد أن اختلفوا كثيرا.

ومن ملفات المنطقة المأزومة يأتي الملف اليمني، وقد سارعت  واشنطن – بايدن، في إظهار رغبتها الخاصة برفع اسم الجماعة الحوثية من قائمة الجماعات الإرهابية، الأمر الذي استدعى تساؤلا جذريا: لماذا؟.. وهي ترى صواريخ الحوثيين تتهدد دول الخليج العربي، وتقصف المملكة العربية السعودية  وتروع مواطنيها ومقيميها.

تحاجج إدارة بايدن بأن توجهها يبغي وقف الأزمات الإنسانية، وفي مقدمها المجاعة التي تضرب اليمنيين، لكن في الوقت عينه لم تتوقف للتساؤل عمن هو السبب الرئيس لمثل تلك الأزمات، حيث الحوثيون هم من يعيقون دخول المساعدات الإنسانية، بل يستولون عليها من خلال وضع أيديهم على ميناء الحديدية.

ولعل الأمريكيون يعرفون جيدا كيف أن جماعة الحوثي، ليست سوى وكيل للإيرانيين في المنطقة، وأن الملالي يعرفون كيف يحركون إرهابها لفرض شروطهم التفاوضية أول الأمر وآخره.

تمتد الملفات الساخنة إلى خلافات أيديولوجية، وفي المقدمة  منها قضايا الحريات وحقوق الإنسان، ومع أن أحدا لا ينكر تلك القيم الرفيعة وأهميتها، إلا أن التعاطي معها من خلال المنظور الأمريكي، يصيبها أحيانا بشكوك، لا سيما في ظل اعتياد الجانب الأمريكي على استخدامها كأدوات للتدخل في الشؤون الداخلية للدول، ما يعود بنا إلى فكرة أمريكا شرطي العالم أو دركه مرة جديدة.

ما الذي يتبقى قبل الإنصراف؟

هناك معضلة التفاهمات بين الديمقراطيين وبين جماعات الإسلام السياسي، أولئك الذين تم دعمهم خلال سنوات باراك أوباما، وتصعيدهم إلى مراكز الحكم في عدد من دول الشرق الأوسط، قبل أن تدرك الشعوب تهافت مشروعاتهم.

كيف ستتعامل واشنطن – بايدن مع هذا الفصيل؟.. وهل لديها رفاهية تكرار التلاعب بهم وعليهم ومن حولهم، أم أن التاريخ لا يعيد نفسه؟.

يمكن للحديث أن يطول، ولبسط القضايا الأمريكية – الشرق أوسطية أن يمتد، وفي كل الأحوال تبدو الأزمات هذه الآونة أعرض وأوسع من أن تقوم بها واشنطن بمفردها، وبخاصة في ظل مربعات نفوذ سياسية عالمية ملأتها  قوة قطبية قائمة وقادمة أخرى، وللحديث بقية.

 

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]