عبد الله السناوي: الأزمة الاجتماعية تسحب على المكشوف من رصيد الشرعية

يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي المصري، عبد الله السناوي، أن الحديث عن قرض صندوق النقد الدولي يتزامن مع موجة ارتفاع الأسعار، وبعد أن كشف الخطاب الرسمي، انحيازا كاملا لفكرة أن «لكل خدمة سعرا» شاملة فواتير الكهرباء والغاز والمياه والمواصلات العامة، فضلا عن الصحة والتعليم بحسب إشارات لا تخفى.

ويؤكد السناوي، في مقاله المنشور اليوم الأربعاء، بصحيفة الشروق المصرية، أن ما كان متواريا في ظلال الكلمات سوف يصبح الآن صريحا بعد الاتفاق مع بعثة صندوق النقد الدولي، خاصة وأن هناك حديثا مسهبا في برنامج الحكومة، الذى تقدمت به للمجلس النيابي، عن «إجراءات مؤلمة» لتخفيض فواتير الدعم والأجور، دون أن تكون هناك أية قواعد للعدالة في توزيع الأعباء عند سداد الفواتير، وأن النزوع إلى «منطق الجبايات» من الجيوب الخاوية نزع عن أية إجراءات إنسانيتها قبل عدالتها، بينما لا نجد ولا كلمة واحدة عن «الضرائب التصاعدية».

ويخلص الكاتب إلى القول، بأن القرض أقرب إلى «أقراص إسبرين» تخفف الصداع الاقتصادي،  لكنه ليس حلا، والتزاماته لا سبيل لإنكار وطأتها القاسية على الاحتياجات الأساسية للطبقة الوسطى والفئات الأكثر فقرا.. وما تحتاجه مصر، أولا وقبل أي  شىء آخر، احترام عقول مواطنيها، فالدعاية السياسية بلا سند من الحقائق يتبدد أثرها ويرتد مفعولها في الاتجاه العكسي.

نص المقال :

فى النظر إلى الأزمة الاقتصادية كحادث عارض تخفت حدته بعد قرض صندوق النقد الدولى خطأ فادح فى التقدير..القرض أقرب إلى «أقراص إسبرين» تخفف الصداع الاقتصادى لكنه ليس حلا والتزاماته لا سبيل لإنكار وطأتها القاسية على الاحتياجات الأساسية للطبقة الوسطى والفئات الأكثر فقرا.

فى برنامج الحكومة، الذى تقدمت به للمجلس النيابى، حديث مسهب عن «إجراءات مؤلمة» لتخفيض فواتير الدعم والأجور وخدمة الدين العام التى تستهلك (٨٠٪) من الموازنة العامة دون أن تكون هناك أية قواعد للعدالة فى توزيع الأعباء عند سداد الفواتير..النزوع إلى «منطق الجبايات» من الجيوب الخاوية نزع عن أية إجراءات إنسانيتها قبل عدالتها..ولا كلمة واحدة عن «الضرائب التصاعدية» ولا عن «ضريبة الثروة» التى تدفع مرة واحدة كما اقترح رجل الأعمال «سميح ساويرس» على الدكتور «حازم الببلاوى» رئيس أول حكومة بعد (٣٠) يونيو.. ولا يمكن الحديث بجدية عن اشتراطات للصندوق وضغوطه إذا كان البرنامج الحكومى يتبنى السياسات والتوجهات والإجراءات ذاتها.

تحت ضغط مقدمات الأزمة أبدى الخطاب الرسمى انحيازا كاملا لفكرة أن «لكل خدمة سعرا» شاملة فواتير الكهرباء والغاز والمياه والمواصلات العامة فضلا عن الصحة والتعليم بحسب إشارات لا تخفى. ما كان متواريا فى ظلال الكلمات سوف يصبح الآن صريحا بعد الاتفاق مع بعثة صندوق النقد الدولى. وما بدأ فى الارتفاع التدريجى بأسعار بعض الخدمات سوف يأخذ مداه دون مراعاة حقيقية لتآكل الدخول الفعلية بنسبة (٤٠٪) بأكثر التقديرات شيوعا. ذلك كله يؤشر إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية إلى حدود تومئ لانفجارات لا يمكن تجنبها. بمعنى آخر فإن الكلفة الاجتماعية للإصلاح الاقتصادى تنال من أى استقرار للدولة وأية فرصة لتعافيها، كما تسحب على المكشوف من أى رصيد للشرعية.

أمام احتمالات من هذا النوع فإن إنكار طبيعة الأزمة وأسبابها الجوهرية قد يدفع المجتمع كله أثمانه الباهظة من مستقبله.عند منعطف الأزمة الاقتصادية على مشارف أوضاع اجتماعية يصعب تحملها من الضرورى لسلامة البلد إجراء أوسع مراجعة للسياسات التى أفضت إلى الإخفاق. بلا مراجعة فلا تصحيح ممكنا ولا توافق وطنيا محتملا. الأوضاع الحالية لا تدفع للاعتقاد بأن الأمر سوف يكون سهلا، لكنه محتم فى نهاية المطاف.

النقطة المركزية فى الاخفاق الاقتصادى، التى أدت إلى تفاقم الأزمة بمعدلات متسارعة، غياب أية رؤى وتصورات وأفكار فى النظر إلى الاقتصاد وأزماته وسبل تجاوزها، فالمشروعات بلا سياسات تقودها والأولويات غائبة بصورة فادحة. عندما تغيب الرؤى يصعب الحديث عن أى مسار اقتصادى على شىء من التماسك النسبى. بعض الأزمات المستعصية موروثة وبعضها الآخر تسبب فيها عدم وضوح الأولويات.

هناك ثلاثة ملفات ملحة لا يمكن تأجيل البت فيها تحت أى ظرف..

أولها، أزمة الكهرباء، وقد جرى تجاوز أخطارها المحدقة، وذلك إنجاز لا شك فيه، غير أن السؤال يطرح نفسه: أين نقف بالضبط فى التوسع بمشروعات الكهرباء؟ ما يمكن تأجيله وما لا يمكن؟ الاندفاع بلا تخطيط طويل المدى نسبيا يدفع إلى التنصل من بعض المشروعات بلا سبب مفهوم للشركات الدولية التى شرعنا بالتعاقد معها..لماذا طلبنا التعاون الفنى.. ولماذا نتنصل الآن؟ أصداء السؤال لا تشجع أية استثمارات أجنبية على أية ثقة.

وثانيها، أزمة المياه، وهى أزمة وجودية تتعلق بشريان الحياة فى نهر النيل. لا توجد أية مكاشفة للرأى العام بحقيقتها ولا إجابة على سؤال «ما العمل؟» عند امتلاء «سد النهضة» العام المقبل دون التزامات أثيوبية بأى اتفاق يضمن حصة مصر من المياه. بعض الإشارات تومئ لتغليب مشروعات «محطات تحلية المياه» على مشروعات «محطات الكهرباء» خشية أيام صعبة غير مستبعدة..ذلك تفكير لا يمكن الاعتراض عليه، لكنه يشترط قبل أى إنفاق إدراك فرص نجاح المباحثات مع إثيوبيا من عدمها.

وثالثها، أزمة الغذاء، وتلك أزمة مرشحة للتفاقم بأثر الإجراءات الجراحية التى تعتزمها الحكومة بالاتفاق مع خبراء الصندوق أو بأثر أى انخفاض محتمل من الحصة المصرية فى مياه النيل..أمام الأزمات المتفاقمة فإن مشروع المليون ونصف المليون فدان يحتاج إلى مراجعة جدية فى مداه وتكاليفه وعوائده على المدى المنظور دون تجاهل لاعتراضات أهل الاختصاص والخبرة.

فكرة دراسات الجدوى ضرورية للتأكد من عدم صرف مليم واحد خارج الأولويات الملحة.. مشروع «العاصمة الإدارية الجديدة» يكاد ألا يكون هناك من يؤيده أو يبدى حماسا له، والتساؤلات أكثر من الإجابات. بافتراض أن لهذا المشروع ضروراته، فهى مؤجلة وليست ملحة.. رغم الأهمية الرمزية لـ«توسيع قناة السويس» فى رفع منسوب الهمة العامة وإثبات القدرة على البناء فإن الأمر يحتاج إلى مراجعة مماثلة.كان يمكن إتمام المشروع فى ثلاث سنوات وفق المخطط الرئيسى، وذلك لم يكن ينتقص من المشروع ورمزيته. وكان يمكن الاعتماد على «كراكات» هيئة قناة السويس وحدها دون حاجة إلى الاستعانة بمخزون «الكراكات» فى العالم للانتهاء من العمل فى سنة واحدة، وهو ما كلف الدولة نحو ثلاثة مليارات دولار.

الإنجاز بذاته عمل إيجابى غير أن النتائج عاكست الأمانى، فقد انخفض دخل قناة السويس بأثر تراجع التجارة الدولية..ثم إن المبالغة فى توصيف الإنجاز أضر به، فلم يكن «مشروع توسيع قناة السويس»، بنص التعبير الذى استخدمته الشركات الدولية التى شاركت فيه، «قناة ثانية» ولا «قناة جديدة».

نفس المبالغات أفسدت صورة «المؤتمر الاقتصادى» فى شرم الشيخ حيث تبارى المسئولون، بلا أية..مسئولية حقيقية، فى إطلاق أرقام الاستثمارات المتوقع تدفقها إلى ما تجاوز المائة مليار دولار وهو ما لم يحدث نصفه ولا ربعه ولأى شىء يذكر منه.

ما تحتاجه مصر، أولا وقبل أى شىء آخر، احترام عقول مواطنيها، فالدعاية السياسية بلا سند من الحقائق يتبدد أثرها ويرتد مفعولها فى الاتجاه العكسى.. إذا كان هناك من يتصور أن «الإعلام المعقم» قادر على تهيئة الرأى العام للأيام الصعبة المقبلة أو جسر الهوة مع السياسات الاقتصادية، فهو واهم.

عندما تفقد المجتمعات قدرتها على التنفس السياسى بحرية فإن فرص بناء توافقات وطنية تتراجع بقسوة، وهذا آخر ما تحتاجه مصر المنهكة التى تبحث عن أمل بشق الأنفس.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]