صدر اليوم، الأربعاء، عدد “استثنائي” يحمل الرقم (13552) لصحيفة السفير، في وداع للقراء يحمل “أرشيفا تاريخيا للصحيفة، فيما وصفت وسائل الإعلام اللبنانية، الإصدار بأنه “الوداع الأخير” وكأن السفير “تنعى” نفسها، بعد 43 عاما.
وكتبت صحيفة النهار اللبنانية: اليوم بين أيدي القراء، الإصدار الوداعي الأخير للصحيفة العريقة التي كتبت آخر نسخها السبت الماضي، وها هي تودع قراءها اليوم، عدداً استثنائياً أخيراً يختصر رحلة “صوت الذين لا صوت لهم”، وصدقت “السفير” حين صدرت بالمانشيت الأخير تحت عنوان “الوطن.. بلا السفير”، لأن الوطن سيفقد بغيابها قيمة كبيرة من قيم الصحافة الرصينة والمعيارية ذات الصوت والموقف الواضح، سواء أكنت تؤيده أم تعارضه أم تختلف معه.
وأشارت الصحف العربية إلى أن صحافة الرأي والمعلومات والخبر التي تقف اليوم أمام أسوأ ما منيت به الصحافة التي تشارف مصيراً وجودياً ، ستفتقد “السفير” التي طبعت سحابة 43 عاماً من عمرها بطابعها المميز، وشهدتّ مع كبرى الصحف اللبنانية الأخرى لعصر ذهبي سيكون من مفاخرها، لكن غيابها لا يعني أن الحبر الثمين الذي تركته مؤرخا للأجيال لن يبقى شاهدا على رحلة لا تزول.
تصدر الصفحة الأولى للعدد الاستثنائي “الوداع الأخير” مقال مؤسس ورئيس تحرير السفير، طلال سلمان، تحت عنوان (السفير 13552: تغيب.. ولا تنطفئ!) مستعرضا مقاله الافتتاحي لللعدد الأول للصحيفة قبل 43 عاما.. وكتب طلال: كان يقال إن القارئ في لبنان «محلي الاهتمامات»، وإن القارئ العربي لا يمكن أن يقرأ جريدة لبنانية تطغى عليها ـ بطبيعة الحال ـ الاهتمامات المحلية.. وجاءت تجربة «السفير» فأثبتت بالدليل الملموس أن هذه المعادلة مزورة من أساسها، وأن المنطق الحقيقي لمروجيها هو المنطق الانفصالي.
فلقد ثبت ـ بالأرقام ـ أن القارئ في لبنان ليس مسيسا فحسب، بل إنه عربي الاهتمامات، وثبت ـ بالأرقام ـ أن القارئ العربي خارج لبنان يهتم بهذا الذي يحدث في لبنان شرط أن يقدم إليه كمادة إخبارية، عبر التحليل أو التحقيق أو التعليق السياسي، وليس عبر التشنيعات و«تركيب المقلة» و«المقدحة» وثرثرات «الأقطاب»… وأعظمهم شأناً ـ للمناسبة ـ أقدرهم على تزييف الحقائق، وأمكرهم في استغلال المشاعر الأكثر تخلفاً في النفس البشرية من العنصرية القبلية إلى التعصب الطائفي إلى الشبق السلطوي وحب النفوذ إلى الرغبة في إثراء سريع، لا يهم مطلقاً أن يكون مشروعاً أو غير مشروع.
وجاء نجاح السفير الباهر إشارة إلى اندثار مفاهيم عفّى عليها الزمن، وسيادة مفاهيم جديدة، مفاهيم ملايين العرب المؤمنين بوحدة التاريخ والمصير، ووحدة المشاعر والاهتمامات الجدية، فالذي يأخذ ما يجري في لبنان، أو في أي قطر عربي، مأخذ الهزل، والهزل فقط، لا يمكن أن يكون جندياً صالحاً لمعركة طويلة ومريرة كالتي فرض على أمتنا أن تواجهها وأن تنتصر فيها على الثالوث القوي: الصهيونية والإمبريالية والرجعية، وأقصى مطامح «السفير» أن تكون واحداً من جنود هذه الأمة المجيدة في معركتها الكبرى الدائرة رحاها منذ سنوات وسنوات.
وبهذا المعنى فهي جريدة مقاتلة، وبهذا المعنى يصبح نجاحها قضية سياسية ذات دلالة، وبهذا المعنى يصبح شكرها لقارئها تحية لرفيق نضال في مسيرة طويلة ضمّت مواكبها أبطال تاريخنا جميعا.
