علي الصراف يكتب: حكاية الإيمان

علي الصراف

 ذكرني الضجيج حول نكران الإعلامي المصري إبراهيم عيسى للإسراء والمعراج بحكاية رجل ذهب الى أحد الشيوخ ليشهر إسلامه. فقال له الشيخ: الإسلام صعب. إنه يتطلب أن تصلي خمس مرات كل يوم، في أوقات مختلفة، أحدها يجبرك على أن تنهض من فراشك ساعة الفجر لتغتسل فتحرم نفسك من رغد النوم. وهو يتطلب أن تصوم 30 يوما كل رمضان. فتخيّل أنك لا تستطيع أن تشرب ماء ولا تأكل طعاما من مطلع الشمس الى مغربها. وهو يطلب منك أشياء أخرى كثيرة، منها أن تغض بصرك عن النساء الجميلات، وهذه متعة من متع الحياة، فلماذا تحرم نفسك منها. والإسلام يريد منك أن تؤمن بنبوة رجل أمّي، بينما أنت مُتعلم وربما دكتور. وهو يقول إنه نزل عليه من السماء كتابٌ لا مثيل له ولا تشوبه شائبة، وما من أحد يستطيع أن يأتي بسورة من مثله. والأصعب من هذا كله فإن الإسلام يريد منك أن تعطي من مالك، عرق جبينك، للآخرين، وألا تكذب، بينما الكذب ملح الحديث، وأن تفي بوعود تقطعها، وأشياء كثيرة تقيد حياتك كلها بقيود لا فكاك منها، خاصة وأن الإسلام ليس “وجهة نظر” تتخلى عنها عندما تعود لتقتنع بوجهة نظر أخرى. أي أنه دين غير ديمقراطي، بينما الديمقراطية زهرة الحياة المعاصرة. والإسلام يعتبر كل البشر عبيدا لله. ويطلب منك أن تقبل عبوديتك له طوعا ومحبة، بينما الحرية هي النداء المتداول والشائع.

استطرد الشيخ: والإسلام يريد منك أن تؤمن بأشياء عجيبة، ولا يتسع لها العقل، مثل أن سيدنا موسى شق البحر بعصاه، وأن سيدنا عيسى ولد من دون أب، وأن سيدنا محمد أسري به من مكة الى بيت المقدس وعرج الى السماء وعاد في ليلة واحدة، وهو ما لا يمكن أن يفعله أي صاروخ عابر للقارات، وأن سيدنا نوح بنى سفينة في عز الصيف ولكنها استقرت بعد الطوفان على جبل يدعى الجودي. كما أن هناك رجل يُدعى آدم، يعتبر أبو البشر، ولد من دون أب ولا أم. وإن خالقه خلق الإنسان من “سلالة من طين” لم يتم العثور عليها. وبينما يقول العلم أن الأرض يبلغ عمرها 4 مليارات سنة، فإن كتاب ذلك الرجل الأمّي يقول إن خالقها خلق الأرض والسماوات في ستة أيام، فهل هذا معقول بنظرك؟ والأعجب من هذا كله، فإنه يريدك أن تؤمن بالغيب. أي أن ترى بقلبك ما لا تراه بعينك، وتفهم بقلبك ما لا تفهمه بعقلك. وأن تؤمن بأن كل ما في هذا الكون الفسيح خاضع لمشيئة كائن غامض، كلي القدرة، يتحكم بكل شيء، حتى أنه لا ورقة تسقط من شجرة إلا بإرادته. فهل ترى أنك قادر على قبول كل هذه الأمور؟ ألا تلاحظ أنها تبدو وكأنها قصص خرافية، بينما نحن في عصر العلم والتكنولوجيا المتطورة؟

فذهب الرجل من دون أن ينطق بالشهادة.

فسأل أحد التلاميذ شيخه: لماذا قلت للرجل كل هذا الكلام، حتى جعلته يفر؟

فقال الشيخ: سيعود عندما يؤمن بقوة الجاذبية من دون أن يراها، وعندما يعقل أن عقله لا يتسع لسعة الكون، وعندما يرى بعين قلبه أن لهذا الكون مُدبّر، وأنه ليس مجرد فوضى نظمت نفسها بنفسها، كمن يُلقي بمليارات الحروف، فتُصبح قصيدة رائعة الجمال ومتناهية الدقة والاتقان، بالصدفة. وعندما يرى أنه عبد لزوجته التي يحب، وعبد لأطفاله، وعبد لحاجاته، فسوف يرى كيف لا يكون عبدا لخالقه. ولا ضرر لو أنه لم يؤمن. فقد اختار لنفسه ما يليق بها. حبل الحياة الدنيا قصير. وحبل الآخرة طويل. والحياة إما أن يكون لك في آخرها ما ترتقي إليه، وإما أن تكون حفرة تلقي بها جثمانك. إنها خيار تختاره بنفسك لنفسك.

فعاد الرجل بعد أيام، فسأله الشيخ: ما الذي عاد بك؟

قال: رأيت الله في نفسي قبل أن أراه في الكون.

قال: كيف؟

قال: الإيمان نور يشع في القلب والعقل. “ومَنْ لم يجعل الله له نورا فما له من نور”.

***

الآن، وقد أصبح السجال بشأن الكفر والإيمان يستدعي فرض عقوبات، للقسر والقهر والزجر، فالحقيقة هي أنها لن تنفع. لا في الدفاع عن الدين ولا في تحصين المجتمع من الكفر.

الإيمان بـ”القصص الخرافية”، كما يسميها إبراهيم عيسى، ليس مسألة حقائق مادية يمكن تقديمها لأي أحد. لأنها هي نفسها في الأساس لا تقوم على “حقائق مادية”.

الإيمان أقنوم من نوع آخر. أصل مختلف عن الماديات وبراهينها. ولا شيء يمكنه أن يجعل أي إنسان معاصر أن يقبل جوهرين وهو مكتف بجوهر واحد. هناك مادة، وهناك “لا مادة” اكتشف العلم وجودها مؤخرا. وكل منهما أصل مختلف عن الآخر، ولكل منهما فيزياء مختلفة. ولا يتصل أحدهما بالآخر إلا بمقدار ضئيل. ومن يدري، فقد يكونان متداخلين على نحو لا نعرفه. واحد نراه ونلمسه، والآخر غير مرئي وغير ملموس.

بعبارة أبسط: الإيمان بغير المرئي شيء، والبراهين المادية شيء آخر. هذه دائرة، وتلك دائرة أخرى. ونحن نعيش في عالم لا تسود فيه القيم المادية فحسب، ولكنه مدين بتقدمه العلمي والتكنولوجي وبرفاهياته كلها لتلك البراهين حصرا. حتى ليبدو الإيمان شيئا شاذا، والمؤمن كائنا يعيش في “روحانيات” غير قابلة للمس، ولا تحرك موتور السيارة عن بُعد.

ولكن، أهذه فعلا هي كل القضية؟ أفهل يتعين على الإيمان أن يحرك موتور السيارة لكي يُصبح جديرا بالأخذ به.

والواقع، هو أن البشر، على وجه الجملة، قبيلتان، يتحدث كل منهما بلغة لا تفهمها القبيلة الأخرى. والصدام بينهما يمكن أن يتحول الى صراع يجرفهما الى هاوية مشتركة، بين تطرف وتطرف مضاد.

الإيمان نور، ولكنه لا يشع في كل نفس. ولكي يشع، فإنه يتطلب إدراكا شخصيا أعمق بكثير مما يمكن أن يحققه أي نقاش هادئ ورصين. فما بالك بالقسر والقهر والزجر.

وفي الواقع، فإن إذكاء الرصانة في النقاش يمكن أن يوفر بديلا عاقلا للضجيج الذي تتم إثارته كلما شذ أو انفلت أحدهم عن طريق.

وفي حين أن هناك إيمانا جاهلا، لأنه لا يبلغ بالمرء ذلك المقدار الضروري من الثقة بالنفس فيخاف، فإن العلم برغم كل ما أنجز، جاهل أيضا. أولا، لأنه لم يدرك إلا القليل. وثانيا، لأنه أدنى من أن يطال سعة الخلق وعجائبه. وبعض العلماء يقول، لسبب حصيف، إنه كلما زاد علما، زاد معرفة بأنه جاهل.

حرية النقاش، أو حرية الكلام والتفكير، التي فتحت الطريق أمام التقدم العلمي، يمكنها هي نفسها أن تفتح الطريق أمام الإيمان ليبلغ مبتغاه.

مقدار من الثقة بالنفس يمكنه أن يجعل النقاش أقل إثارة للغرائز. وهو ما حصل في الغرب، الذي تعيش مادياته وروحانياته من دون تنازع شرس. تكفر، تؤمن. إنها قضية شخصية.

حبل الحياة قصير، على أي حال. ولكل امرئ الحق بأن يختار لنفسه ما بعد ذلك الحبل.

غمرته جهالة العلم، أو غمره نور الإيمان، مبروك عليه النهاية التي اختارها لنفسه.

شخصيا ما عندي مشكلة الى أين سيذهب جاري. مشكلتي هي الى أين سأذهب أنا.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]