علي الصراف يكتب: سؤالان فقط

علي الصراف

 شعور المرء بأنه أحمق، لا يغرب عن كل مَنْ يتأمل في افتراضاته، فيكتشف سذاجتها أو سذاجته فيها.

كنت كثيرا ما أفترض أن لإيران مشروعا. نعم، هو مشروع طائفي. ويمكنك أن ترى الكثير من الدلائل على أنه مشروع مريض، أو متخلف عقليا، ولكنه مشروع سياسي – ديني في النهاية، ويجدر أن يسعى إلى النجاح، وأن يثبت نفسه كمشروع جدير بالحياة بما يقدمه من أدلة على قيمته الإنسانية، أو الحضارية، أو الأخلاقية، أو الثقافية.

عملي ظل يسمح لي بالاعتقاد أنه، في فائدته الأهم، يقتصر على توجيه الأسئلة، وبقيت أنتظر الفرصة، ولكنها لم تأت. إذ كنت أتمنى أن أمسك بحسن روحاني أو وزير خارجيته محمد جواد ظريف لكي أساله سؤالين، لا داعي الى أن يكون لهما ثالث: أما الأول فهو: أنتم تملكون نفوذا كبيرا داخل العراق، سواء عن طريق أحزاب أو مؤيدين أو مناصرين، أليس كذلك؟

والجواب البديهي هو: نعم.

وأما الثاني فهو: فلماذا خربتموه؟

هذان السؤالان ظلا يطرقان في رأسي، ليس لأني لم أنجح في العثور على ضحية لهما، بل لأنهما ظلا مثار حيرة واستغراب وعجب.

هل من المعقول لصاحب أي مشروع أن يحصل على فرصة ذهبية كالاستيلاء على عراق بحجم هذا العراق ويفشل في أن يحوله إلى نموذج للدلالة على جدارة وصدقية المشروع الذي يتبناه، كائنا ما كان؟

هل من المعقول، لأي أحد يقف على رأس أي سلطة، أن يكون عاجزا بهذا القدر على أن يستفيد من إمكانيات وموارد وسكان بلد بحجم العراق لكي يثبت للعالم بأسره أنه ينطلق من مشروع اقتصادي واجتماعي وثقافي جدير بأن يكون نموذجا حضاريا رفيعا؟

لقد عرف تاريخ هذا العراق عدة حضارات. لا عجب. شيءٌ ما في طبيعة الأرض والناس هو ما جعل ذلك ممكنا. شيءٌ قد يشبه اللغز الذي لا لغز فيه. ولكن شواهده قائمة ولا سبيل إلى نكرانها، كما لا سبيل إلى نكران أثرها على الحضارة الإنسانية برمتها. فلقد نشأت الأبجدية من هناك. وأهل تلك الأرض كانوا هم الذين اخترعوا العجلة. وكان أول قانون في التاريخ البشري من صنعهم. وما من مكتبة كانت أعظم من مكتباتهم. كتبوا أول الملاحم والأساطير، وكانوا من بين أول من عرف الخالق، فشيدوا له الزقورات والمنارات بحثا عن سبيل للاقتراب منه.

السومريون بنوا حضارة ظلت قائمة لنحو ألف عام (3200 ق.م -2300 ق.م). هذه الحضارة لم تسقط، ولكن ورثتها حضارة بابلية عاشت نحو 1200 عام، وتلتها آشورية وأخرى كلدانية، وقدمت ملوكا من بين أعظم ما عرف التاريخ البشري من ملوك، من مثل حمورابي ونبوخذنصر وآشوربانيبال، كانوا هم أنفسهم أقرب إلى الأساطير، قبل أن تنطفئ منارات التاريخ القديم، ولكن لتعود بغداد فتكون قلب حضارة عباسية خامسة، فاضت بالعلوم والابتكارات والفلسفة والطب والرياضيات والأدب. وما من رواية سبقت روايتهم “ألف ليلة وليلة”، وما من شعر كان أرقى وأعذب من شعرهم، حتى ترفع إلى مصاف النبوّات.

أن تملك نفوذا على بلد كهذا، وأرض كتلك، وشعب كذاك، فلا بد أن تكون حمارا ابن حمار حتى جدك السابع والخمسين بعد الألف، لكي تجعل مشروعك يفشل في أن يناطح عجائب الدنيا السبع، فما بالك إذا كانت واحدة منها موجودة فيه أصلا.

فلماذا خربتموه؟.. لماذا وليتم عليه جرذانا ورعاعا وصعاليك؟ لماذا جعلتموه أرض خراب ومستنقع فساد وأعمال قتل وإرهاب من أوطأ ما عرفت البشرية من همجية؟.. كيف جعلتموه، بما اتبعتموه من مسالك داعشية في القتل والتدمير والتشريد، أن يكرر الفشل فينتج دواعش على الطرف المضاد؟

كيف جاز لأرض كتبت على ألواح الطين والورق نصف تاريخ المعرفة الإنسانية أن تسود فيها عمائم جهلٍ وتزوير وانحطاط يقلب المصارين الى هذه الدرجة؟

كيف؟

سؤالٌ لو جاز أن يتحول الى صرخة، فإن المجرة كلها سوف ترتجف من صداه وصدمته.

ولكنك سوف تحتاج الى الكثير من الوقت لكي تكتشف أن سؤالك ساذج، وأنك أحمق بالظن أن هناك مشروعا يقصد أن يكون مشروعا ذا طبيعة تليق بتطلعات البشر ومشاريعهم لبناء مستقبل.

قطعان المجوس، منذ اللحظة الأولى لما صار يُعرف بتاريخ ما قبل التاريخ، ظل يقودهم الحقد. وكان حقدا، تعتق وتقطر حتى أصبح خلاصة من دسم السم يرضعها كل مَنْ ولد على تلك الأرض التي صارت تدعى “بلاد فارس”.

جيلا فجيل ظلوا يرضعون الكراهية لأولئك الذين جعلوا من الطين كيانا مجيدا. ولئن كانت لهم امبراطورياتهم الخاصة، تبني على حجر ومرمر، فقد كانت هي ذاتها امبراطوريات حقد واحتقار، تقصد القول إنهم الأفضل وأنهم هم الغالبون. وظلت أعينهم ترنو، دون باقي الجهات، إلى حيث تغرب الشمس على نهرين، حيث تلتحم الأناشيد وتشتبك العربات وتعلو الصروح.

حاربوا السومريين، ثم حاربوا البابليين والآشوريين والأكديين والأمويين والعباسيين والمسلمين جميعا، والعرب من خلفهم، حتى جاءوا أخيرا ليخوضوا ما قالوا إنها حربهم الأخرى ضد البعثيين. ولكن، ما كانت حروبهم إلا ضد بلد كهذا، وأرض كتلك، وشعب كذاك، ليكون صراعا ذا طبيعة أسطورية بين الحضارة والتدمير، بين الخير والشر، بين البشر والذين يزعمون أنهم بشر، بينما هم مخلوقات من جنس ابليس.

لا مشروع، إلا مشروع الدمار الشامل. لقد كانت تلك هي الغاية من الأساس. والجرذان والرعاع والصعاليك جزء أصيل من تلك المهمة الأبدية، التي بدأت قبل أكثر من 5 آلاف عام ولا تزال طاحنة الى يومنا هذا، تلتهمُ من البشر ما تلتهم.

حتى الطائفية، على سفالتها في الدين ونذالتها في البشر، كان يمكن أن تكون مشروعا يسعى الى أن يُثبت نفسه بأنه مشروع بناء مدرسة أو شارع أو محطة كهرباء على الأقل. فإلى أين انتهينا مما صنع الولي الفقيه بصعاليكه ولصوصه ومجرميه؟

هل كان لا يعرف؟ هل كان من الغباء بحيث يتساهل مع أفّاقيه على تدمير ما يفترض أنه “مشروعه” الخاص؟ أم هل كان من العمى بحيث أنه لا يرى؟

أبدا. لقد كان يرى ويعرف. وظل يطلب المزيد لأنه لم يكن يقصد من وراء “المشروع” إلا هذا الذي يكون بين أيدي غلمانه وذوي عمائمه.

لو جاز لي أن ألقي القبض على محمد جواد ظريف أو رئيسه حسن روحاني، بلقاء من سؤالين، فما كنت لأسأله إلا، أولا: متى ستذهبون الى الطبيب؟ متى تشفون من علة ظلت تنخر عظامكم كل هذا الزمن؟

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]