علي الصراف يكتب: لعنة الانقسام ودلالاته

علي الصراف

الانقسام الفلسطيني لعنة حقيقية. إنه دلالة قاطعة على مستوى الفكر والسلوك حيال قضية ظل يقال عنها إنها “مصيرية”، حتى جعلها الانقساميون لعبة صغائر. فلو أنها كانت مصيرية حقا في فكر وسلوك القائمين عليها، لأنفقوا كل جهد ممكن من أجل التوصل الى موقف مشترك، أو أوجدوا، في الأقل، سبيلا للجمع بين الاختلاف والوحدة، بدلا من الاتفاق على ممارسة الفضيحة.
لا يحتاج الجمع بين الاختلاف والوحدة الى عبقرية لكي تتيح الوصول إليه. ولكنه يحتاج القليل من حسن التدبر. القليل من احترام الآخر. القليل من فهم أن الوحدة هي القوة الأساس في مواجهة “المصير المشترك”. والقليل من وعي البديهيات الاستراتيجية، الذي لا يني بعض المسؤولين الفلسطينيين أن يفضحوا أنفسهم بنقصه، أمام أنفسهم وأمام العالم بأسره.
دع عنك الانقسام بين الضفة الغربية وغزة. فهذا عار قائم بذاته، وتطلب الوصول إليه الكثير من سفك الدماء. ويوم كان الفلسطينيون وغيرهم ينشدون قصائد محمود درويش لكي يشدوا بها عزيمة الأرض وعزائمهم على الصمود في مواجهة الاحتلال، فقد انتهى الأمر الى خيبة القول: “أنت منذ الآن غيرك”. وظل السؤال عالقا كالغيمة فوق رؤوس الجميع:
“هل كان علينا أن نسقط من عُلُوّ شاهق، ونرى دمنا على أيدينا… لنُدْرك أننا لسنا ملائكة.. كما كنا نظن؟.. “وهل كان علينا أيضاً أن نكشف عن عوراتنا أمام الملأ، كي لا تبقى حقيقتنا عذراء؟
“كم كَذَبنا حين قلنا: نحن استثناء!”
أفيا سادة الانقسامات، إنكم منذ ذلك الوقت، لستم سوى آخر غريب عن نفسه. وليست الأنا فيكم أنا. وأنتم آخر من يمكنه أن يقدم حلا، أو مخرجا، أو حربا، أو تسوية، أو سلاما، أو حتى هزيمة كبقية هزائم خلق الله. لأنكم صانعو فشل، حتى في الهزيمة نفسها. فمن أين يمكن لأي نصر أن يأتي من عاجزٍ حتى عن الهزيمة؟
العثور على سبيل للجمع بين الاختلاف والوحدة، لا يتطلب عبقرية. ولكن من أين يأتي الفكر لمن لا تفكير له أصلا؟ ومن أين يأتي التدبر لمن اعتاد أن يفشل؟
فلسطينيو 48 دخلوا الانتخابات الى الكنسيت منقسمين، على قائمتين، تدعى الأولى “القائمة المشتركة”، وتدعى الثانية “القائمة العربية الموحدة”، ولا أعرف كيف يمتد الزيف الى الأسماء، إذ لا هذه كانت “مشتركة” ولا تلك كانت “موحدة”، وبدلا من الفوز بعدد يزيد على الحصة السابقة (15 مقعدا) فقد فازت القائمتان بالفشل، وتراجعت الحصة الى 11 مقعدا.
هذا خزي. ولكنه ليس خزيا سياسيا. ولا هو خزي فكري. إنه خزي في تدبر الدور الوطني بالدرجة الأولى حيال قضية كان يُعتقد أنها “مقدسة”، فتدنست بالانقسام.
ولقد أصبح الانقسام لعبة قائمة بذاتها، تُلعب من أجل توظيفها في اللعب على الحبال. واحد يقول إنه مستعد للتحالف مع نتانياهو، رغم أن نتانياهو يرفضه، والآخر يقول العكس. ذلك من أجل القول إنه لا يوجد تصور مشترك لما يتعين للناخب الفلسطيني أن يحصل عليه. وبالتأكيد، لأن الرؤية لا تذهب أبعد من أرنبة الأنف.
فلسطينيو 48 هم 21% من مجموع السكان. إنهم نحو مليوني نسمة من مجموع 9 ملايين. والوضع المثالي هو أن يكونوا قوة انتخابية يتعين أن تكسب 24 مقعدا في الكنيست لتكون هي قوة المعارضة الرئيسية.
إنها قوة لا يستهان بها في صنع وتوجيه السياسات. وهي قوة أزمة للمشروع العنصري الإسرائيلي. كما أنها قوة سلام أيضا، وبوسعها أن تضع المجتمع الإسرائيلي أمام مواجهة الحقائق.
نعم، سوف تتوحد كتل السياسة الإسرائيلية ضدها. وهذا مفيد لأنه سوف يجبر الجميع على وضع كل شيء فوق الطاولة. بدلا من التفتت الإسرائيلي المخادع الذي يملي من تحت الطاولة كل ما يريد المشروع الاستيطاني أن يفرضه على الأرض.
ولكن غياب التصور المشترك، أثمر غيابا للدور، وتحوّل الى أداة تعطيل وإعاقة لإطالة أمد الفشل.
تكرار الانقسام على كلا الجبهتين (الداخل والداخل) يفترض أن يُسفر عن ندى الجباه على الأقل. يصحو المسؤول عنه وهو يتعرق، وينام وهو يسبح بمشاعر الخذلان والهزيمة.
لا شيء يبرر الاعتقاد بأن الفلسطينيين يجب ألا يختلفوا. بالعكس. اختلافهم رحمة. إنه قراءة لوجوه مختلفة من الخيارات والممكنات. والنظر فيها مفيد دائما. ولا شيء على الإطلاق يبرر قمع الرأي الآخر، أو السعي الى عزله، أو الدخول في صراع دامٍ معه. فذلك كله دليل ضعف سياسي وفقر رويّة وضحالة أفق. القوي يقوى في الواقع، ليس بمن يوافقونه، وإنما بمن يختلفون معه. وذلك بأن يُصغي لهم، ويُبقيهم في جواره.
الزعيم الراحل ياسر عرفات ذهب في كل الاتجاهات الممكنة، قاتل وتفاوض، كسب وخسر، إلا أنه لم يطرد أحدا، ولا استغنى عمن يختلفون معه. وذلك لأنه قوي ومتماسك، ليس بالمعنى السياسي بالضرورة، ولكن بالمعنى الشخصي أولا. ومثلما كان يستعين بمؤيديه، فقد كان يستعين بمعارضيه أيضا.
مقدارٌ من الاكتفاء الشخصي، الامتلاء، ورفعة النفس، يكفي للتعايش مع كل آخر، ومع كل قول.
أما على المستوى العام، فإن شرطا واحدا يكفي: انتخابات داخلية لتحديد الممثلين في الهيئات العامة لكي تسفر عن “سلطة قرار”، تملك الحق في تحديد التوجهات والمفاضلة بين الخيارات.
يتصارع الممثلون، يهاجمون خيارات أحدهم الآخر، يدافعون عن تصوراتهم المختلفة،.. الخ، كل هذا مفيد، إلا أنه ينتهي الى إقرار بأن سلطة القرار تظل واحدة، ولها الحق بأن تأخذ بما تراه مناسبا، حتى يأتي وقت محاسبتها على ما نجحت فيه أو فشلت.
بمعنى آخر، أبسط أشكال الديمقراطية يكفي. ولئن كانت الديمقراطية، وفقا لأبسط قواعدها، هي “سلطة الأغلبية”، فإنها على وجهها الآخر “سلطة احترام الأقلية” أيضا. لا شيء صعبا في ذلك. بمقدار أقل من الاستعداد لممارسة الفشل يمكن للقائمة “المشتركة” أن تكون مشتركة، كما يمكن للقائمة “الموحدة” أن تكون موحدة.
الإقرار بوجود “سلطة”، ومنحها الحق بأن تتصرف، لفترة محددة، من دون التخلي عن نقدها، ليس شيئا صعبا، ولا هو يحتاج الى عبقرية. يحتاج الى رفعة نفس، وشعور بالمسؤولية حيال “المصير المشترك”.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]