علي شندب يكتب: إنفضاح لقاء المنقوش وكوهين يشعل ليبيا ويغضب بايدن

علي شندب

سيمرّ وقت غير قصير، قبل الانكشاف والحصر الكامل للتداعيات الخطيرة التي أصابت مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني، بدءًا من الإدارة الأمريكية التي لم تتمكن من كتم غضبها حيال تسريبات إسرائيل للقاء وزير خارجيتها إيلي كوهين بنظيرته الليبية نجلاء المنقوش في العاصمة الإيطالية روما.

تسريب أطاح بجهود أمريكية وأوروبية يُعمل عليها تزامنًا مع عدوان الناتو على ليبيا عام 2011، الذي لم يعد سرًّا أن التطبيع مع إسرائيل كان أحد أبرز أهدافه الاستراتيجية. بدليل أنّ لقاء المنقوش مع نظيرها الإسرائيلي، جاء تتويجًا لسلسلة لقاءات سرّية مع الموساد وقادة الكيان، أجراها علي العابد وزير العمل بحكومة دبيبة ورئيس مخابراته حسين العايب، حصلت في الأردن ورام الله، وواشنطن وعدة عواصم أوروبية، فضلاً عن تل أبيب شخصيًّا.

سبب الغضبة الأمريكية من نتنياهو ووزير خارجيته كوهين، أنّ ملف التطبيع ليس شأنًا إسرائيليًّا خالصًا، بل هو شأن رئاسي أمريكي خاص، تجهد كل إدارة أمريكية لتحقيق بعض حلقاته ليكتب ضمن إنجازاتها فيسيّلها أصواتًا في صناديق الانتخابات، وذلك بفعل قوّة اللوبي الصهيوني في أمريكا. علمًا بأن مشروع «السلام الابراهيمي» لصاحبه دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنير، لم يؤمّن فوزه في الانتخابات الماضية.

لكن جو بايدن يريد خوض الانتخابات المقبلة مسلّحًا بتحقيق إنجاز ضخم بملف التطبيع الذي كانت الصحافة الأمريكية تروّج له مع دول عربية كبرى ومؤثرة.

لهذا وغيره سيمرّ وقت غير قصير، لحصر التداعيات الحقيقية والعميقة جرّاء انكشاف أمر اللقاء السرّي بين المنقوش وكوهين داخل الهياكل السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية، والتي ارتفعت فيها أصوات الصراخ والاتهامات المتبادلة بين أركانها وسعي كوهين للتنصّل من تسريبها. أمّا في أروقة التطبيع الأوروبية، فالتداعيات المكتومة أكثر خطرًا خصوصًا في ضوء الانتفاضة الإفريقية ضد الاستعمار الفرنسي المقنّع وغيره لإفريقيا.

إذن، لأجل هذه اللحظة التطبيعية التاريخية شنّ حلف الناتو عدوانه المشؤوم على ليبيا القذّافية، متسلّحًا بشعار «حماية المدنيين» الذي تصدّر قرار مجلس الأمن الدولي 1973. وهي الحماية التي لم تتوفر رغم مرور 12 عامًا عليها. لا بل إن حلف الناتو ومن خلفه واشنطن، لم يكن لديهم أدنى استراتيجية لما بعد إسقاط الدولة الليبية، التي فكّكت إلى حكومات متناقضة وأقاليم تنتظر قرارات تثبيت فصلها عن بعضها البعض.

لقد تحمّل الليبيون كل الليبيين، بصبر وأناة كل تداعيات وآثار عدوان الناتو ومراراته قتلًا وسجنًا وتهجيرًا داخل ليبيا وخارجها، وأصيب السواد الأعظم من الليبيين بالعوز، بلقمة عيشهم، وافتقدوا وقود السيارات، والكهرباء والطبابة، والأهم من هذا افتقدوا الكرامة.

الكرامة، التي شعر بامتهانها كل الليبيين وهم يتابعون العواجل الإخبارية التي تزفّ إليهم خبر لقاء المنقوش مع كوهين في روما. ثمّة جرح عميق أصاب مقتلًا كبرياء الليبيين، وتحديدًا الشباب الليبي الذين خرجوا إلى الشوارع والميادين والساحات، والشرارة الأولى كانت مدينة الزاوية، ولتتحول هذه الشرارة إلى بركان لم تخمد ناره ولتمتد على طول البلاد وعرضها ومنها مصراتة، أمّا غضب شباب طرابلس فقد كان محل رصد ومتابعة بالميكروسكوبات ما بعد الدقيقة فضلًا عن الكاميرات التي رصدت إحراق أحد منازل رئيس الحكومة عبدالحميد دبيبة وبعض أعوانه وأقربائه.

لكن دبيبة تدرّج في محاولة امتصاص نقمة الشارع الغاضب، فتحدث عن إيقاف المنقوش عن العمل وإحالتها للتحقيق. فتصاعدت التسريبات والتصريحات الإسرائيلية لتتحدث عن أن اللقاء كان من حياكته وتدبيره وموافقته وعلمه، ليصعّد تدرجه ضد المنقوش بإقالتها واستبدالها بآخر. كذب رئاسة الحكومة الليبية ضاعف من غضب الليبيين وحنقهم فطالبوا باستقالة حكومة الدبيبة التي باتت جثّة سياسية ملفوظة شعبيا وتنتظر دفنها.

وكما في تبادل الاتهام والمسؤوليات داخل الكيان الصهيوني، تبادل مسؤولو الأمن في طرابلس الاتهامات بشأن مغادرة المنقوش مطار معيتيقة الذي أنكرت الجهات الأمنية الرسمية خروجها منه. ليتبين لاحقًا أن المنقوش خرجت بتدبير من آمر قاعدة معيتيقة الفعلي وهو الجنرال التركي الذي أمّن مغادرتها على طائرة حكومية إلى تركيا، ومنها تردّد أنها توجهت إلى لندن.

لقاء روما التطبيعي إذن، أيقظ كل عناصر الولاء لفلسطين بين الليبيين الذين قاتل الكثير من آبائهم وأجدادهم بغرض تحريرها منذ عام 1948 مرورًا بالعدوان الإسرئيلي على لبنان من قبل 1978 وليس انتهاء بالاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982، وأن بعضهم ذهب حافيًّا للذود عن القدس والمسجد الأقصى، وأنّ تاريخ هؤلاء الآباء والأجداد هو الذخيرة الباقية التي يفخر بها الليبيون، فانفجروا غضبًا وهم يرون فخرهم وأمجادهم يلوّثان أمام أعينهم.

المعالجات ومحاولات ترقيع الأمور لم تعد تنفع كثيرًا في ليبيا، التي يستعيد اليوم الكثير من الشباب الليبي مواقف العقيد القذّافي تجاه فلسطين وقومية المعركة ومعسكرات تدريب الفدائيين في ليبيا، ونقل السلاح والمتطوعين تارة عبر سوريا وجنوب لبنان، وطورًا عبر مصر الى غزّة.

اليوم يستذكر الليبيون جيدًا كيف ضحك الإعلام الناتوي وملحقاته العربية وهم يسوّقون أن معمّر القذّافي يهودي، وقد نسجت كثير من الروايات المضللة والكاذبة. والأدهى أنهم أخذوا يستذكرون وينشرون فيديوهات شهيرة للفرنسي الصهيوني برنارد هنري ليفي الذي يقول في إحداها، إنهم كانوا يشتمون القذّافي ويصفونه بـ “ابن اليهودية”، وهم يعلمون “أني اليهودي الوحيد بينهم”.

إذن انفجر الشارع الليبي غضبًا ضد المنقوش ورئيسها دبيبة الذي لم يجد لمحاولة نفي التهمة عنه سوى التمسّح بسفارة فلسطين التي زارها ليتوّشح العلم الفلسطيني، فقرأ الليبيون سلوكه إمعانًا في الاستهزاء بهم، ما دفع بشباب وأعيان مصراتة مدينة دبيبة إلى الخروج بموقف صارم ضد «الخونة المطبعين» ودعوا بلسان أحد أبرز قادة ميليشياتهم صلاح بادي إلى «إسقاط حكومة دبيبة» الذي يتوسل السلطة ويتسوّلها حتى من تل أبيب ومهما كان الثمن.

قبل غضب الليبيين ورفضهم التطبيع وانتصارهم لفلسطين، ثمّة غضب آخر انفجر على خلفية إعلان حكومة دبيبة عن تأجير ميناء مدينة الخمس كقاعدة للبحرية التركية لمدة 99 عامًا، غضب أسفر عن إعلان «مقاومة الخمس» عن البدء في مواجهة الاحتلال التركي لليبيا، ما دفع دبيبة إيّاه إلى تقرير توسيع الميناء الذي رست فيه فرقاطتان تركيتان دون تأجيره.

ربما وجب التوقف عن جلد نجلاء المنقوش وتدفيعها منفردة ثمن جريمة التطبيع، «فما فعلته المنقوش هو نتيجة سياقات وجهد تراكمي لمن سبقها ومن يزاملها، ومن المعيب أن تدفع وحدها الثمن». هذا الكلام يتناقله الشباب الليبي الغاضب ويعلنونه على مواقعهم التواصلية التي يتوعدون فيها دبيبة وكل من تسوّل له نفسه ارتكاب الكبائر الدينية والأخلاقية والسياسية.

ومن هنا تبدأ الحكاية الجديدة في مقاومة التطبيع مع إسرائيل لتصبح ملفًا مطروحًا بقوة على طاولة الشباب العربي وليس الحكومات الرسمية.

صدق من قال: من ليبيا يأتي الجديد.

 

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]