تلويح وزير خارجية العراق إبراهيم الجعفري، بحشد مقاومة ضد تركيا حتى تسحب قواتها من العراق، أثار التساؤل حول امتلاك العراق للخيار العسكري ضد تركيا؟ أم أن التصريحات الرسمية موجهة للاستهلاك المحلي والعربي في أعقاب اجتماع استثنائي لوزراء الخارجية العرب الخميس الماضي وانتهى بمطالبة أنقرة بالامتثال لطلب بغداد سحب قواتها المتمركزة قرب الموصل.
سياسيون وبرلمانيون عراقيون يؤكدون أن القضية أكبر من مجرد طلب جامعة الدول العربية أو تهديد وزير الخارجية العراقي لتركيا، بشأن سحب 150 جنديا من معسكر “بعشيقة” قرب الموصل، شمال العراق، والتى تقول أنقرة إنها تجري فيه مهام تدريب تستهدف تنظيم داعش الإرهابي، وتقول بغداد إنه “تغلغل غير قانوني” تم بدون موافقة الحكومة العراقية، ولكن القضية التي طرحت نفسها أمام الرأي العام العراقي، هي القدرة الحقيقية لامتلاك العراق الخيار العسكري ضد تركيا، وما هي طرق التصعيد في المواجهة التي أشار إليها وزير الخارجية؟
وبحسب تحليل السياسي العراقي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة بغداد، الدكتور علي مجيد، فإن العراق أمام “اختبار السيادة” على أراضيه، وفي ظل ظروف أكثر تعقيدا في الشمال، مع سيطرة قوات البيشمركة وسلطات إقليم كردستان العراق، ونواياها الانفصالية المعلنة، والعلاقات التي تربطها مع كل من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وأوضح “مجيد” لوكالة أنباء فارس الإيرانية، اليوم السبت، أن هذه الظروف تكبل الخيار العسكري ضد تركيا، وليست هناك قدرات متاحة حاليا لهذا الخيار.
ويرى السياسي العراق، أن طرح قضية القوات التركية في العراق، تحيط به ملابسات عديدة، حيث إن هذه ليست المرة الأولى التي توجد بها قوات تركية داخل الأراضي العراقية، وهناك بالطبع قواعد أمريكية لاتزال تثير علامات استفهام ضخمة داخل الدوائر السياسية في بغداد، إلى جانب غياب سلطة الحكومة العراقية في الشمال، حيث السيطرة لقوات البيشمركة والتي تفرض سيطرتها على أية منطقة يتم تحريرها من تنظيم داعش الإرهابي، كما حدث بعد تحرير “جلولاء” التابعة لقضاة خانقين (70 كم شمال شرق بعقوبة مركز محافظة ديالى) وتم تغيير اسم المدينة، ومنذ ذلك الحين والى الآن لا توجد في المدينة سوى قوات البيشمركة والقوات الأمنية الكردية، إذ لم يسمح لأي من سكان المدينة بالعودة إلى منازلهم وبدء حياتهم الطبيعية من جديد، وهو ما حدث أيضا بعد تحرير “سنجار” وهذه الصورة تجيب على التساؤل حول قدرات الخيار العسكري للضغط على تركيا.
وتقديرات السياسي العراقي الذي يصف نفسه بـ “المستقل” تقترب كثيرا من تقييم الوضع وفقا لتقرير مركز الدراسات السياسية والعسكرية بجامعة روستوك الألمانية، بأن الخيارات المتاحة أمام العراق في مواجهة التعنت التركي بعدم سحب قواتها من شمال العراق، لا تتعدى الطرق السلمية فقط، نظرا لصعوبة التحرك العسكري لقوات عراقية تواجه وضعا متأزما داخليا في الحرب ضد تنظيم داعش المسيطر على نحو ثلث أراضي العراق، وصعوبة فتح جبهة للمقاومة الشعبية في منطقة كردية تحت سيطرة قوات البيشمركة، وتحت مظلة أجواء من الحساسيات والاحتكاكات الطائفية والعرقية، ولا تتحمل الحكومة العراقية أعباء فتح جبهة جديدة.
“لا يمكن الحديث عن خيارات مفتوحة أمام العراق ومن بينها الخيار العسكري” حسب تعبير المحلل السياسي المصري، الدكتور سالم عبيد، استاذ الاجتماع السياسي، وإذا كانت المقاومة مشروعة عندما تنتهك السيادة، فإن هذه المقاومة تعترضها حواجز جغرافية باتجاه الشمال العراقي، ولذلك لم يعد أمام العراق إلا الطرق السلمية، والتي لم تسفر عن شىء بعدما اشتكت بغداد لمجلس الأمن الدولي من “الانتهاك التركي” لأراضيها، ولذا طلبت عقد اجتماع استثنائي لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، وبدوره لايملك سوى “مناشدة سياسية” في صورة طلب بسحب القوات التركية دون قيد أو شرط .
وقال الدكتور عبيد لـ”الغد العربي” إن تحرك الحكومة العراقية سياسيا يأتي تحت ضغط الرأي العام العراقي، في إطار الإشارة بأن الحكومة العراقية حريصة على سيادة أراضي العراق، ولكن تبقى قضية سحب القوات التركية رهن تحرك سلطات كردستان العراق في الشمال، وأيضا التدخل الأمريكي، ومن الواضح أن تركيا تناور حاليا ولا تستجيب لطلب بغداد، وبعد أن نقلت بعض جنودها من محافظة نينوي التي يوجد بها المعسكر إلى قاعدة أخرى داخل إقليم كردستان العراق، في حين تصّر بغداد على ضرورة سحب القوات من كامل الأراضي العراقية.
