علي الصراف يكتب: مَنْ الذي تغيّر في أفغانستان؟

علي الصراف

 قالت حركة طالبان كل شيء لكي تثبت أنها تغيّرت. إلا أن ملايين الأفغان لم يصدقوا حرفا مما قالت، وظل عشرات بل ربما مئات الآلاف يسعون الى الخروج من بلادهم خشية من أعمال الانتقام والتصفيات الوحشية.

ما تغيّر هو أفغانستان نفسها. مجتمعها المدني الذي نبت في الثمانينيات كمجتمع مدني متحرر كليا من القيود الدينية، فواجه ارتدادًا عنيفًا من الريف، أعاد بناء نفسه خلال ربع القرن الماضي على توافقات جديدة، أكثر صلة بالقيم التقليدية، وأقل تطرفا، ولم يعد هناك من سبيل لكبح القبول بالاختلاف. ونصف المجتمع (النساء والفتيات) الذي وجد نفسه سجينا تحت حكم طالبان في التسعينيات، لم يعد بوسعه قبول العودة الى الوراء.

البراغماتية الغربية تدفع في الاتجاه نحو منح طالبان الفرصة لكي تُثبت، بالأفعال، أنها تغيرت بما يسمح لها بإنشاء حكومة مشتركة مع أطراف أخرى، والسماح بتعليم وعمل المرأة، والتوقف عن ارتكاب جرائم ضد الحقوق والحريات.

وتريد طالبان أن تمارس ما يبدو أنه براغماتية مماثلة. فأفغانستان 2021، ليست كأفغانستان يوم انسحب منها الروس في العام 1988 ولا يوم حكمتها طالبان في العام 1996. احتياجات المجتمع اختلفت، كما اختلف كل شيء في مقومات حياته. وتحاول طالبان القول إنها قادرة على التلاؤم مع ما تغير.

ولكن الحقيقة هي أن ما تغير أكبر بكثير مما تستطيع طالبان أن تتحمله.

لقد كان من الطبيعي “للعصبية الأشد” (وفقا للتحليل الخلدوني) أن تكون هي الغالب. ولكن غلبتها الراهنة هي الأخيرة، ريثما تنشأ للمدينة عصبيتها.

الريف الذي حاصر ودمر ثقافة كابول التحررية، لم يعد بذات القوة. والمدينة التي بدت ضعيفة ونبتا متطرفا حيال القيم التقليدية وعزلاء، لم تعد كذلك الآن.

اقتصاد الريف كان هو الغالب، وكان من الطبيعي أن يفرض مفاهيمه. أما اليوم، فإن اقتصاد المدينة هو الغالب، وسيكون من الطبيعي في النهاية أن يفرض مفاهيمه. وفي الواقع، فانه إذا توفرت لطالبان أي فرصة، فهي ببناء اقتصاد مديني يعتمد بالدرجة الأولى على التعدين واستخراج الموارد، وانشاء طبقة عمال ومهندسين ونظام تعليم يتوافق مع الاحتياجات الاقتصادية الجديدة.

لقد كان من الملفت أن طالبان أصدرت تحريما منذ اليوم الأول ضد زراعة الخشخاش وتجارته.

السبب ليس دينيا على الإطلاق. السبب هو أن هذه التجارة لا تساوي شيئا أمام الثروة المعدنية الهائلة التي تملكها أفغانستان وتقدر قيمتها بأكثر من تريليون دولار.

وفي حين أن زراعة الخشخاش تعني قيما وتقاليد اجتماعية معينة، فإن استخراج الليثيوم يعني قيما وتقاليد اجتماعية أخرى.

طالبان التي جاءت من ثقافة الخشخاش، تحتاج الكثير لتغيره وتتعلمه، لكي تستطيع إدارة اقتصاد مختلف جذريا.

وهي لن تلحق، ليس لأن المسافة بينها وبين الثقافة المدينية شاسعة للغاية، بل لأن الصدام الراهن مع المجتمع المديني لن يتيح لها الوقت ولا رفاهية التعلم.

القاعدة، هي أن المدينة أضعف من الريف، لجهة النزعة القتالية. إلا أنها أقوى من الريف لجهة فرض المفاهيم، إذا توفر لها سند مادي، اقتصادي واجتماعي.

كان من السهل أن تحقق طالبان انتصارا عسكريا كاسحا. ولكن هل من السهل عليها الآن أن تحقق انتصارا ثقافيا مثل الذي فرضته على مجتمعات الأقاليم الأفغانية، بين عامي 1996 و2001؟

عادت طالبان لتدخل كابول، ظنا منها أنها فعلت شيئا يشبه فتح مكة، وظلت تبحث عن دار أبي سفيان لتقول: “من دخلها فهو آمن”. إلا أنها لم تعثر لا على الكعبة، ولا على أبي سفيان. وبدلا من أن يخرُ الناس رُكعا وسجودا، خرجوا في تظاهرات احتجاج يرفعون العلم الوطني الأفغاني.

خلال الخمسة وعشرين عاما الماضية تضاعف عدد سكان كابول نحو أربع مرات، من مليون و300 ألف نسمة الى 4 ملايين و400 ألف نسمة. ولئن كانت قومية الباشتون هي الغالبية العظمى فيها، فإن هذه الغالبية تضاءلت الى نحو 60%، بعد أن انضمت إليها أقليات من الطاجيك والأوزبك والتركمان وغيرهم. ومساحتها التي كانت بحجم بلدة صغيرة، أصبحت مدينة تمتد على أكثر من 4400 كليومتر مربع. ولو توفرت لها عزائم قتال وخاضت حرب شوارع، فان مقاتلي طالبان لن يبقوا فيها أسبوعا واحدا.

كابول ليست مدينة تعددية من الناحية العرقية فحسب، ولكنها مدينة تعددية من ناحية الثقافة أيضا. ولن تستطيع الثقافة الطالبانية أن تتعايش معها. سوف تجد نفسها في صراع دائم مع نفسها ومع الآخرين. والتغيير الطفيف والبراغماتي لن يكفي.

هناك جيلان على الأقل ظهرا في خضم ربع القرن الماضي، يتصلان بالعالم الخارجي أكثر بكثير مما يتصلان بما هو سائد في ريف أفغانستان.

وهناك شيء واحد فقط يمكن أن يفعله الأب الذي يغيب عن أبنائه لـ 25 عاما، هو أن يكون مثلهم، لا أن يطلب منهم أن يكونوا مثله. وطالبان لن تجرؤ على شيء من هذا، قبل أن تتمزق هي نفسها.

الأمر نفسه يمتد الى عواصم الأقاليم الأخرى. هذه العواصم اختارت ألا تقاتل، لأنها تحسب للحياة والموت حسابا مختلفا عن حسابات الحياة والموت الطالبانية.

اخرج من عجائب اللحظة الراهنة، وستكتشف أن في اختلاف الحسابات هذا مقتلا حقيقيا لطالبان. فبينما لن يعود بوسع الحركة أن تملي ثقافة الخشخاش على تلك العواصم، فإنها هي مَنْ سيجد نفسه على الضفة الخطأ.

ونحن الآن في بيئة فوضى. وكل شيء فيها يعلوه الغبار. ولكن دع الغبار يركد، ولسوف تأسف طالبان على اليوم الذي ظنت فيه أنها فتحت الكعبة.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]