سجل المشهد الانتخابي في الأردن، سابقة عربية، بالإعلان عن «قائمة النشميات» والتي تخوض الانتخابات النيابية المقبلة، عن الدائرة الأولى في محافظة الزرقاء.
قائمة نسائية بدون رجال ، بينما سبق للمشهد السياسي في مصر، اخفاء صورة المرأة على لوحات الدعاية الانتخابية، ووضع «وردة» بديلا عن الصورة في «قوائم السلفيين» أول قائمة نسائية بدون رجال تخوض منافسات الانتخابات البرلمانية في دولة عربية ، تضم سوزان العزام، ونهى مقدادي، وآمال الفار، وعائده النوباني، وخوله السيد، ومشاعل الزيادي، وعبير الشيشاني، وبسمه حرزالله.
توظيف التاريخ في الدعاية الانتحابية
أما الجدل الذي ثار حول حادثة تاريخية رواها مرشح إسلامي مستقل في محافظة الزرقاء، فقد كسر رتابة الانتخابات على نحو غير متوقع، وفجر نقاشا واسعا، جذب علماء دين ومؤرخين، ووسائل إعلام، وجمهورا عريضا من المتابعين، لم يكن للعملية الانتخابية أن تناله لولا مداخلة المرشح التي ساقها في معرض سعيه إلى كسب قلوب الناخبين في الزرقاء، وفي سابقة انتخابية أيضا لتوظيف التاريخ في الدعاية الانتخابية، أو أن يكون التاريخ حاضرا في المقرات الانتخابية .
وزير الأوقاف السابق يلتمس «أثر النبي»
البداية كانت مع تصريحات وزير الأوقاف الأردني السابق والمرشح للانتخابات، الدكتور محمد نوح القضاة، بأنه ترشح في محافظة الزرقاء ليلتمس أثر النبي، بأهل الزرقاء الذي استظل تحت شجرة في منطقة السخنة..
وقال القضاة ، في سرده للتاريخ الإسلامي، داخل مقره الانتخابي : هل تعرفون لماذا اخترت الزرقاء؟ وماذا فيها؟ إن جميع المحافظات فيها مقامات الصحابة ، باستثناء الزرقاء التي فيها السخنة ، حيث نام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فيها، ويوجد بها الشجرة التي استظل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبها اثر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الكافر «أبو لهب» الذي بات في السخنة
وتصدى خصوم المرشح من المنافسين في الدائرة ذاتها لتفنيد روايته عن إقامة الرسول الكريم ليلة في منطقة السخنة التابعة لدائرة الزرقاء الانتخابية. ودخل مؤرخ أردني على خط السجال برواية قلبت الموازين، بقوله إن سيدنا محمد لم يبت في السخنة أو الزرقاء، وانما أبو لهب هو الذي بات هناك.
وقال المؤرخ الدكتور أحمد عويدي العبادي، المتخصص في التاريخ الأردني القديم والوسيط ، ردا على الدكتور القضاة «يبدو أن الأمر اختلط على المرشح في لحظة عواطف جماهرية، لأنه ثبت عبر كتب السيرة والتاريخ أن من بات في الزرقاء هو “الكافر” أبو لهب وابنه الكافر عتيبة بن ابي لهب حيث أكله الأسد بعد أن دعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم».
وقال العويدي، إنه «لم يثبت في كتب السيرة والتفاسير وتاريخ العرب وفي مؤلفاتي باللغتين الإنجليزية والعربية، أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم مر بالزرقاء بل سلك وادي السرحان واستراح في ظل الشجرة التي لا زالت شاهدة على ذلك في البادية الأردنية الشرقية، أما عتيبة بن أبي لهب (المذكور بالقران الكريم) أنه من أهل النار، فقد هجم عليه أسد في الزرقاء، فتحققت به دعوة النبي (اللهم سلط عليه كلباً من كلابك)».
وأضاف العبادي، «في شهر أغسطس/ آب 2011 تمكن فريق الباحثين من احدى الجامعات الأردنية من اكتشاف الموقع التاريخي الذي جرت فيه حادثة مقتل عتيبة على يد الأسد في وادي الزرقاء والمعروفة حاليا بمنطقة جناعة المحاذية لسيل الزرقاء، والحقيقة التاريخية أن هذه قصة الكافر ابن الكافر، لتصبح من عند المرشح المحترم قصة الرسول صلى الله عليه وسلم!».
واقعة تاريخية في ثوب انتخابي
«قائمة بدون رجال» و«توظيف التاريخ»، من الوقائع والحوادث التي أثارت اهتمام ومتابعات الشارع الأردني، بل فجرت نقاشات وجدلا واسعا .. ويرى الكاتب والمحلل السياسي ، فهد الخيطان، أن النقاش وإن كان في ظاهره تاريخيا، إلا أنه في جوهره سياسي وانتخابي صرف. فالحديث عن تلك الواقعة التاريخية ما كان ليثير الاهتمام، لو لم يكن في سياق حملة انتخابية يمثل المرشح صاحب الرواية أحد المنافسين الأقوياء فيها.
وقال الخيطان لـ«الغد» عندما سارع منافسون إلى تكذيب الرواية، فإنما كان هدفهم قطع الطريق على محاولة المرشح توظيفها انتخابيا، وجذب جمهور عريض من المتدينين، لطالما كان مثل هذا الخطاب يحملهم لصناديق الاقتراع بالآلاف ولحساب لون معين من المرشحين.لكن الحاصل من نقاش وتجاذب بين المرشحين وسواهم من المهتمين بالتحقق من صحة الروايات التاريخية، يطرح أسئلة أخلاقية وسياسية عديدة تخص الانتخابات والحملات الدعائية، وسلوك المرشحين.
«الإخوان» تخلوا عن الرموز الدينية ليوظفها «المستقلون»
وأضاف متسائلا: هل يجوز لمرشح أن يوظف الرموز الدينية المقدسة في حملاته الانتخابية؟ وثمة مفارقة هنا؛ ففي الوقت الذي تخلى فيه الإخوان المسلمون عن الشعارات الدينية في الانتخابات، يخرج من بين المستقلين من يرفعها على نحو يفوق ما شهدنا في حملات سابقة للإخوان، قبل أن يرفعوا الراية البيضاء في الانتخابات الحالية.. ثم أن التفاعل الشعبي مع الحادثة ورواية المرشح، يبعث على التساؤل أيضا؛ كيف لحادثة مختلف عليها من التاريخ البعيد أن تجذب جمهورا عريضا لميدان الانتخابات، بينما لا تثير فيهم برامج انتخابية تناقش مشاكلهم الراهنة أدنى اهتمام؟.
وتابع الكاتب والمحلل السياسي الأردني ، فهد الخيطان، الحاصل أن الانتخابات النيابية، وبدلا من أن ترسم طريقنا للمستقبل، وتتصدى لسيل الهموم والمشاكل التي نواجه على أكثر من صعيد، تعيدنا بحملاتها الانتخابية إلى الماضي السحيق.. ولذلك من قال إن الانتخابات النيابية في الأردن حدث تاريخي، كان على حق!.
