د. أيمن سمير يكتب: توظيف الفوضى في أفغانستان

د.أيمن سمير

أكثر الأطراف سعادة بما يحدث في أفغانستان من فوضى هي الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أمر عكس ما هو شائع بأن الولايات المتحدة لا تريد ولا تتمنى تلك الفوضى.

في تقديري هذه الفوضى “مخططة تماماً” حتى ردود الفعل الأمريكية جرى إعدادها حتى تبدو الولايات المتحدة بريئة تماماً مما يحدث في أفغانستان، والدليل الأول على ذلك أن الرئيس بايدن يقول إنه بناء على استشارات من وزارتي الدفاع والخارجية والاستخبارات قرر إرسال 5 آلاف جندي لإجلاء الدبلوماسيين والمتعاقدين من كابل خلال 72 ساعة، وهذا الأمر بالكامل غير صحيح، فوفق الصحف الأمريكية نفسها فإن هناك بالفعل 4000 جندي في كابل ومحيطها حتى الآن، وأن النقل سيتم لمجموعة صغيرة لا تتجاوز 1000 جندي، كما أنه من المستحيل لوجستياً نقل 5000 جندي في 72 ساعة، وكان الأجدر أن يتم نقل المدنيين والدبلوماسيين الأمريكيين في الاتجاه العكسي للخارج خلال 72 ساعة إذا كان ذلك ممكناً، وواضح هنا أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى تحقيق أمرين،  هما الظهور أمام الداخل الأمريكي بأن خطة الخروج لم يتأذى منها أي أمريكي، كما لا يريد الرئيس بايدن أن يبدو مهزوماً أمام طالبان، فلماذا تتعمد واشنطن خلق بيئة “صانعة للفوضى” والحروب الأهلية في كل أفغانستان وآسيا الوسطى؟.. وما هي المكاسب الجيوسياسية التي يمكن أن تتحقق لواشنطن وحلفائها من خلال تصنيع وتسويق العنف والفوضى والحرب الأهلية في تلك المنطقة الحيوية من العالم؟

 ” كتلة نار”  في حضن الأعداء

الرئيس بايدن يقول إن بقاءنا في أفغانستان عاما أو 5 أعوام أخرى لن يغير من المشهد الأفغاني في شيء، وهذا حقيقي لسبب واحد أن الولايات المتحدة لم ترغب منذ البداية أن تجعل من أفغانستان وبعدها العراق “نموذجا ناجحا” على غرار ما فعلته في اليابان وألمانيا بعد احتلالها لهما في نهاية الحرب العالمية الثانية، فالولايات المتحدة على يقين الآن أن طالبان قادمة إلى كابل، وأن طالبان سوف تستولي على كل الأسلحة والذخيرة و150 طائرة عسكرية وما يقرب من 1000 مروحية عسكرية متقدمة من أجل أن تتحول أفغانستان إلى “كتلة نار” في وجه وحضن أعدائها الاستراتيجيين، فكيف يتحقق ذلك:

أولاً: وفق الدليل المبدئي لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي صدرت في شهر مارس الماضي  فإن الصين أكبر خطر على الولايات المتحدة الأمريكية سياسياً واقتصاديا وعسكرياً وتكنولوجيا، واستقرار أفغانستان ليس في صالح أمريكا، فالرئيس بايدن قال ذات مرة أن أفغانستان بعيدة جداً من الحدود الأمريكية، لكن أفغانستان لها حدود تمتد 76 كيلومترا مع الصين، والأخطر في ذلك أن تلك الحدود بين أفغانستان والصين هي مع الإقليم الصيني المتمرد شينجيانج الذي يوجد به أقلية الويجور، وهناك بالفعل مقاتلون من الويجور يقاتلون مع طالبان، والهدف الأول لمقاتلي ما يسمى “بالجيش الإسلامي التركستاني” الذي ينتمي لشينجيانج هو إحياء التطرف والإرهاب في كل جمهوريات آسيا الوسطى دعماً للفكر الانفصالي لمجموعات مختلفة في شينجيانج للضغط على الصين حتى تقبل بانفصال الإقليم، ومن شأن الانسحاب الأمريكي بهذه الطريقة، ومنح طالبان كل هذه المساحات والانتصار الساحق والأسلحة والمعدات أن يخلق “أفضل بيئة حاضنة” لداعش والقاعدة على حدود الصين، ففي حين تترك الولايات المتحدة عبءًا سياسيا واقتصاديا وعسكريا كبيرا في أفغانستان، فإنها تحمل هذا العبء لأعدائها في المنطقة، وخاصة الصين.

كما لا يخفي على أحد أن تلك المنطقة يمر منها المشروع الاستراتيجي الصيني “الحزام والطريق”، ونشر الفوضى في تلك المنطقة سيكون بمثابة الضربة الأكبر للمشروع الذي دشنه الرئيس شي جين بينج في 2013 ويتكلف ما يقرب من 4 تريليونات دولار وتشارك فيه ما يقرب من 100 دولة.

سيناريو العرب الأفغان

ثانياً: تسعى الولايات المتحدة لتكرار سيناريو “العرب الأفغان” ضد روسيا، فأفغانستان في قلب آسيا الوسطى التي تعتبرها روسيا الحديقة الخلفية لها، وهناك قواعد عسكرية روسية في طاجاكستان وقيرغيزستان على الحدود الأفغانية، والولايات المتحدة سبق وأن نجحت في هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان عام 1989 بعد عشر سنوات هناك دون أن ترسل جنديا واحدا أو تطلق قذيفة واحدة، واعتمدت في تلك الخطة على “توظيف التطرف” والجماعات الإرهابية التي تولَّد منها في النهاية تنظيم القاعدة، وهذا السيناريو تعمل عليه بقوة الآن الولايات المتحدة التي أشار البنتاجون أكثر من مرة إلى أن المجموعات المتطرفة تنتقل بسرعة لأفغانستان، ولهذا تقوم الخطة الأمريكية على دعم الفوضى في أفغانستان حتى تعم في دول الجوار الموالية لروسيا، ويبدأ استنزاف روسيا في تلك المنطقة.

ثالثاً: يبدو للجميع أن الطرف الوحيد الذي سيكسب نتيجة انتصار طالبان هي باكستان، لكن الولايات المتحدة على قناعة بأن باكستان هي أكبر حليف لطالبان، ولهذا ترى الإدارة الأمريكية أن “تعميق الفوضى” في أفغانستان هو “أكبر عقاب” لباكستان التي تبني سورا بطول 2000 كيلومتر على حدودها مع أفغانستان، وما نراه في الولايات الأفغانية سيعجل برحيل آلاف اللاجئين إلى باكستان، وهو ما سيفرض على إسلام أباد الانخراط أكثر في أفغانستان، كما زادت وتوسعت الفوضى في بلاد تورا بورا.

لكل ذلك فإن تلك “الفوضى” تريدها الولايات المتحدة “خلاقة” لمصالحها وصراعها العالمي مع روسيا والصين وكل داعمي موسكو وبيجين في آسيا الوسطى، وهو ما يؤكد أننا أمام سيناريو جديد الهدف منه واضح، بأن يظل القرن الحادي والعشرين قرناً أمريكياً.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]