يسرى السيد يكتب: هوامش بالشيزوفرينيا

متى نتحول من مرحلة “البغبغان” إلى مرحلة الإنسان العاقل؟

بمعني آخر متى نتحول من مرحلة الحفظ إلى الفهم؟

باختصار متى نتخلص من مرض الشيزفرونيا “المعشش” في قلب جينات خلايانا؟

وحتي لا يكون الكلام في العموم، تعالوا نذكر بعض الأمثلة، التي تفضح هذه الممارسات.

– نتشدق في الصحافة والإعلام والفكر والثقافة بأننا مع حرية الفكر والإبداع، مع حرية الاختلاف في الرأي، ونتشدق ونستدعي كل ما يؤيد ليبراليتنا، مثلا: يضجع الواحد منا وينظر كالعالم ببواطن الأمور، ويضغط على كل حرف من كلامه، قائلا: الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وبعد برهة يفضح نفسه بنفسه وتتهاوى مزاعمه بعد ثوان، وتتساقط ورقة التوت من عورته حين يقول له محاوره: اسمح لي أن أختلف معك، فتنط الدماء من شرايينه، وتنفجر شلالات في وجه المختلف معه بمجرد أن يظهر أول حرف من الجملة، والغريبة أن الأمر لا يختلف عند الجميع، الليبراليين منا والمتمسحين أو المرتدين رداء الدين، أي دين، الإسلام أو المسيحية أو اليهودية.

– يتشدق مثلا المتمسحون أو المتخفون وراء عباءة الدين بقول الإمام الشافعي، رضي الله عنه، “قولي صحيح يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب”، وحذاري لأن تختلف مع هؤلاء.

فإذا كان الفريق الأول يتشدق باسم الإنسانية أو القانون أو غيره من أشياء لا يؤمن بها في أعماقه.

فإن الكارثة الأخرى التي تنتظرنا أن هؤلاء يتحدثون باسم الرب، وإياك أن تقترب، فالكفر في انتظارك، وازدراء الدين سيف على رقبتك، باختصار أخذوا توكيل الرب ومنعوا الكل من الاقتراب، تغافلوا وتعاموا عن أن الله يرزق المؤمن به والكافر في آن واحد، يجزل العطاء للاثنين ولم يمنع يوما الرزق أو أسباب الحياة عن أحد من خلقه حتي لو جهر بمعصيته، لكن هل يمكن أن نتعلم شيئا من الخالق، وهو يقول: “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، هل يدركون أن حساب كل منا عند خالقه؟ الإجابة عندهم: لا.

باختصار نرفع رايات التكفير والتحقير والتخوين، وغيرها من مصطلحات لكل من يخالفنا في الرأي، وللأمانة المسألة لا تقتصر على جيلنا فقط، بل متأصلة عند الأجداد وجدود الأجداد، ويبدو أن العرب لم يتربوا على فقه الاختلاف، لن أتناول الأمم الأخرى طبعا، فالذي يهمني هنا الآن.. نحن أولا:

لا يفسد للود قضية، بعض المصريين نسبوها إلى أمير الشعراء أحمد شوقي، انطلاقا من مقطعه الشعري الشهير في مسرحيته الشعرية مجنون ليلي:

 ما الذي أضحك مني الظبيات العامرية

ألأني أنا شيعي وليلي أموية؟

اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية!

كما نسبها بعض المصريين الآخرين إلى المفكر أحمد لطفي السيد الذي كان أول رئيس لجامعة القاهرة ووزيرا للمعارف.

ولم يصمت بعض السودانيين ونسبوها إلي الشاعر محمد أحمد المحجوب، الذي قاد حزب الأمة ورأس مجلس وزراء السودان والمولود عام 1908 وتوفي عام 1976. ولا يقبل الإخوة السودانيون بغير هذا القول رغم أن أبيات أحمد شوقي هي الأسبق ورحيل شوقي أيضا هو الأسبق 1932.

والمسألة لم تقف عند المصريين والسودانيين، بل انتقلت إلى الهند، حيث يؤكد محبو المهاتما غاندي، أن هذا القول له ويكملون على لسانه: الاختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء، وإلا لكنت أنا وزوجتي من ألد الأعداء، والحمد لله لم يعش غاندي حتى يرى الاختلاف في الرأي بين الأزواج الآن وقد أصبح الكلام بالسكين والساطور وأكياس البلاستيك.

يعني لم نتفق على قول يحترم الخلاف، فهل نتفق على احترام مبدأ الاختلاف من الأساس، نحن أمة تعاني من الشيزوفرنيا يا ناس، ونحن ديكتاتوريون بطبعنا، والغباء يجري في دمنا، والغريبة أننا لا نتعلم من غباوات الأجداد، ونصر على الغرق فيها.

لم نتعلم ونقول لأنفسنا قبل أن يقولها أحد لنا: انتهي الدرس يا غبي، الغرب تلقف كلمة السر في غباء أهل الشرق، أحنا طبعا الأساس الذي لا يتغير مهما تغير الزمن، مثلا بدأوا منذ فترة يساعدهم أعوانهم ممن يتحكمون في مصائرنا، كلمة السر، الخلاف لا بد أن يشتعل وتظل نيرانه متأججة، لا بد أن تتعدد الأسباب والهدف واحد، هو القضاء على هؤلاء الأغبياء الجهلة الذين امتلكوا أكبر ثروة في التاريخ وبددوها بجهلهم وغباوتهم.

والله أحيانا أعذر الغرب، وأجد لهم مبررات منطقية حين أضعني مكانهم، وحتى أقرب الصورة لكم دعوني أطرح عليكم هذا السؤال: ماذا تفعل لو رأيت شخصا يرمي آلاف الدولارات على راقصة في ملهى ليلي؟

بماذا تصف شخصا أو أمة أنفقت أكثر من 400 مليار دولار في حرب الخليج لكي تشعل النار في المنطقة وتمزقها أربا أربا؟

بماذا تصف قوما يلتقطون الطعم لإشعال الحروب بين الشيعة والسنة، بين المسلمين والمسيحيين، بين العرب والأكراد، بين شمال السودان وجنوبه وغربه.. إلــخ

لم نتعلم كمسلمين من جدود ماتوا في معارك وهمية على قضايا وهمية ومصالح دنيئة لحكام وجماعات، لا دين لهم لكنهم يرتدون عباءته أحيانا حتى يقتلوننا بغبائنا، تلقف الأجداد الطعم ومازلنا على الدرب سائرين، شيعة يظنون أن علي بن أبي طالب هو الأولى بخلافة رسول الله، وسنة يقرون بأفضلية خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، وحتي اليوم وبعد مرور أكثر من 1400 عام، يجد البعض ما ينفخ في جهلنا من بقايا هذا الرماد، التي نشأت على ركامه مئات المعارك، وسقط ملايين القتلى، ونصبت ملايين منصات الإعدام، وانتشرت على روائحها الفواجع والغزوات والانتهاكات.

ورغم أنني قومي وعروبي بدأت أكفر بعروبتي وقوميتي، وأنا أرى أجيالا جديدة من الشباب العربي في العديد من البلدان يعتبرون العروبة والقومية من التراث البغيض بعد أن سرى في شرايينهم كل ما هو غربي، هل نحن أمة واحدة؟ هل نحن مسلمون بحق ونحن نرى من يقتل ويسفك الدماء وهو يقول الله أكبر؟ هل نحن أمة مصيرها واحد لها عقل ونحن نستعدي الغرب وبأموالنا لنشرد الملايين منا، ونحول دولنا إلى أطلال، وننفذ ما لم يستطع تحقيقه أعداؤنا بدم بارد؟ من دمر سوريا؟ من دمر العراق؟ من دمر ليبيا؟ من دمر اليمن؟ من يتآمر على مصر؟ من ينظر إلينا ونحن نضع رقبتنا تحت مقصلة البنك الدولي ويتفرج علينا؟  من يضع آلاف المليارات من الدولارات في بنوك أمريكا والغرب التي ستصادرها يوما ما وإن غدا لناظره قريب؟

تسريب خطبة الجمعة

شيزوفرنيا تصيب حناجر البعض منا، نهلل مع الرئيس السيسي بضرورة تجديد الخطاب الديني، وفي نفس الوقت نهلل لوزير الأوقاف الدكتور مختار جمعة، الذي لم يكتف بأن تكون خطبته مقررة علينا كل يوم جمعة في الإذاعة والتليفزيون، بل ينتقل إلى مرحلة أخرى بتوزيع خطبة مكتوبة على كل المساجد، وأخشى أن تكون في مرحلة لاحقة خطبة مسجلة بالصوت والصورة تذاع بالفيديو كونفرانس في المساجد.

ويكون السؤال الكوميدي كيف ستواجه وزارة الأوقاف أي محاولة لتسريب خطبة الجمعة قبل توزيعها في أظرف مغلقة بالشمع الأحمر على مشايخ الأوقاف؟ وهل يمكن أن تقوم الوزارة بإلغاء أي خطبة تم تسريبها على غرار ما فعلته وزارة التعليم في امتحانات الثانوية العامة؟

من الأولى بالخطابة.. الأوقاف أم الأزهر؟

هل آن الأوان لتصحيح أخطاء وقعنا فيها ومنذ سنوات، أقصد ما دور وزارة الأوقاف الحقيقي، وما هو دور الأزهر الحقيقي فيما يخص الدعوة والخطابة في المساجد؟

المفترض أن تكون مهمة الأوقاف، ومن اسمها هي الحفاظ ورعاية أي وقف تم وقفه على أعمال الخير أو الدعوة الإسلامية، يعني تكون حامي حمي الأوقاف، والأزهر هو منارة الفكر والدعوة للإسلام، يعلم ويفقه وينشر الإسلام، والسؤال: من خلط الدورين؟ وعن قصد أم دون قصد؟ من جعل الأوقاف تحمل عبء الدعوة، والإشراف على المساجد، وتعيين الدعاة.. إلخ من أمور من المفترض أن تكون في صميم دور الأزهر؟

فاذا كان الدعاة يتخرجون من الأزهر، فالأولى بهم أن يعملوا فيه وتحت إشراف مشايخهم مباشرة، وعلى الأوقاف أن تتفرغ لحماية ورعاية الأوقاف، هل هذا الأمر يحتاج جدلا ونقاشا؟

 هوامش بالشيزوفرنيا 

حين تكتب رأيا مخالفا للبعض أو مضادا للمجموع عليك أن تحتمل من الشتائم والسباب والاتهامات ما يشيب له الأصلع، المبدأ عندنا الحرية والديمقراطية لك ما دمت تتفق معي والديكتاتورية والسجن لك إذا اختلفت معي، ألم أقل لكم شيزوفرنيا.

الكاتب والمفكر الحقيقي عبارة عن شعاع ضوء وسط الظلام الذي يحيط به.

هل صدفة أن يتهم كل المفكرين والعلماء والفلاسفة منذ قديم الأزل وحتي الآن بالكفر والزندقة لمجرد خروجهم عن المألوف حولهم؟

“لا يعرف الجوك من البوك” مثل شعبى عراقى على ما أظن ومعناه: لا يعرف التباشير من الكتاب، يرد عليه المثل المصري بعبقرية: “ميعرفش الألف من كوز الذرة”… ماشي و”اللي ميعرفش يقول عدس”.. ياه ده العدس بقى كتير قوى!!

يا ويل الكاتب أو المفكر إذا لم ينافق أهله، وقال للأعور إنت أعور في عينه، باختصار نحن مجتمع ديكتاتوري، كلنا ديكتاتوريين ولا نستثنى أحد!!

لماذا يتحرش بنا الآخرون منذ القدم وحتى الآن، منذ الهكسوس وحتى الصهاينة، منذ الفرس وحتى الحوثيين، منذ الروم وحتى الأمريكان، منذ فرنسا وبريطانيا حتى أمريكا والاتحاد السوفيتي، هل  العرب أمة هفية كده على مر التاريخ؟

لو اختفت أمريكا وإسرائيل من الوجود الآن ترى من يكون المتربص الجديد بالعرب والمسلمين، طبعا سنجد من يقول الصينيون قادمون …هههه

من مقولات الكاتب الكبير كامل زهيري: هناك ناس جريئة في الكتابة وهناك ناس جريئة على الكتابة! 

فارق كبير بين الكتابة والسفالة!!

مسافات.. مسافات.. مسافات بيني وبينك مسافات.. بتقولوها لمن بينك وبينه ولاية؟

لن تكون حرا مادام الخوف يعشش داخلك، ترى متى نتخلص من الخوف حتى نكون أحرارا بحق وحقيقي؟

يارب ادخلنى في نورك وادخل نورك في.

للتواصل مع الكاتب

yousrielsaid@yahoo.com       

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]