إعادة انتخاب «ماكرون».. الانتصار سياسي والإخفاق تاريخي
بدأت الدوائر السياسية في باريس، تحليل نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية في جولتها الثانية، بعد أن أصبح ماكرون بفوزه في الانتخابات أول رئيس يعاد انتخابه منذ ولاية جاك شيراك سنة 2002.. وتصدرت التحليلات تساؤلات من زوايا متعددة: ماذا بعد إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسا للجمهورية؟ وما هي التحديات التي تنتظر فترة رئاسته الثانية؟ وما السبيل لمعالجة ما كشفته الانتخابات الرئاسية من غضب وانقسام حاد داخل المجتمع الفرنسي؟ وبعض من هذه الإشكاليات طرحتها الصحف الفرنسية.. وينتظر الناخب الفرنسي موعدا انتخابيا جديدا، سيجرى في 12 و19 يونيو/حزيران المقبل، وهو الانتخابات التشريعية.
إعادة انتخاب على حافة الهاوية
وترى صحيفة «لوموند» الفرنسية، أن إعادة انتخاب «ماكرون» على حافة الهاوية، وهي رؤية أوضح أسبابها ، الكاتب الفرنسي، جيروم فينوليو، مدير الصحيفة المسائية الذي أشار إلى «رقمين يهددان بابتلاع حياتنا الديمقراطية» ـ بحسب تعبيره ـ وقال: هناك 13،3 مليون صوت لمرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبن، ما يعني أن عدد ناخبيها زاد مليونين 700 ألف عما كان عليه في الانتخابات ما قبل الأخيرة عام 2017 ما جعلها تحقق أفضل نتيجة في تاريخ اليمين المتطرف، فيما الرئيس ماكرون خسر ما يقارب مليوني صوت خلال خمس سنوات، فيما بلغت أعداد الممتنعين والمنتخبين بورقة بيضاء أرقاما كبيرة!
- ما يعني أن الرئيس ماكرون فشل بتحقيق ما وعد به منذ خمس سنوات أي العمل على إضعاف التطرف وعلى إحياء دينامية الحياة الديمقراطية.
اليمين المتطرف أصبح أكثر قوة
واللافت أن نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية، كشفت أن اليمين المتطرف أصبح أكثر قوة من ذى قبل، على الأقل عما كان عليه فى عام 2017 عندما خاضت لوبان جولة الإعادة أيضا أمام ماكرون.. وقالت وكالة «أسوشيتدبرس» الأمريكية، إنه على الرغم من أن مرشحة اليمين المتطرف قد خسرت أمام ماكرون فى جولة الإعادة، إلا أن خسارتها كانت انتصار للحركة التى تمثلها.
وسياسات «لوبان» أصبحت أكثر رسوخا
وأوضحت الوكالة الأمريكية، أن العرض التاريخى لمارين لوبان فى الانتخابات يؤكد أن اليمين المتطرف قد أصبح تيارا أساسيا فى فرنسا. ولم تفز لوبان، لكنها اقترب خطوة أكبر وحققت انتصارات من هزيمتها أمام ماكرون، وبحصولها على نسبة 41.5% من الأصوات، وهى نسبة غير مسبوقة بالنسبة لها، فإن سياسات لوبان، المعادية للأجانب، والمعادية لنظام العولمة، والقائمة على سياسات السخط، أصبحت أكثر رسوخا من أى وقت مضى فى التفكير والمشهد السياسي لفرنسا.
- وكانت لوبان قد قالت عقب إعلان نتائج الانتخابات بفوز ماكرون «إنها بهذه الهزيمة لا يمكنها إلا أن تشعر بقدر من الأمل»، مؤكدة أنها لن تتخلى أبدا على الفرنسيين
الانتصار سياسي والإخفاق تاريخي
ووصفت الباحثة الفرنسية، سولين دو رواييه، فوز الرئيس إيمانويل ماكرون بـ «الانتصار سياسي والإخفاق تاريحي»، وقد أشارت الى بؤس الحال الذي شهد تحليق مارين لوبن بعد عشرين عاما من تأهل والدها للمرة الأولى للدورة الثانية من الانتخابات.. ونقلت عن صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية قولها إنه «بإمكان ماكرون الاحتفاظ بالرئاسة لكن لوبن هي الرابحة»..وتضيف سولين دو رواييه، إن ماكرون يجد نفسه اليوم أمام حائط من الريبة وانعدام الثقة والتطرف بعد أن تخطت أصوات المحتجين الستين بالمئة خلال الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية.
الدورة الثالثة من الانتخابات الرئاسية
وعقب فوز إيمانويل ماكرون، بمنصب الرئيس للمرة الثانية، تتجه أنظار الفرنسيين إلى الانتخابات المقبلة بعد شهرين تقريبا (الانتخابات التشريعية)، والتي يعتبرها الشارع الفرنسي السياسي، الدورة الثالثة من الانتخابات الرئاسية، وهي انتخابات تسمح عادة بتأمين اغلبية برلمانية لرئيس الجمهورية المنتخب حديثا. لكن الأمور قد لا تجري كما هو متوقع، ولذلك تتساءل صحيفة «لوبينيون» الفرنسية: هل يمكن أن يخسر ماكرون الانتخابات البرلمانية؟
الخاسرون ينوون الثأر في مباراة العودة
ونقلت الصحيفة عن وكشفت مصادر داخل حزب الرئيس ماكرون «الجمهورية الى الامام»، عن مشاعر القلق والخوف من الخطر الذي قد يشكله تصويت ناخبي اليسار لصالح «فرنسا الابية»، حزب «جان-لوك ميلانشون» الذي يسعى للمساكنة، أي بفرض نفسه رئيسا للحكومة بعد حلوله ثالثا في معركة الرئاسة..وبينما ترى صحيفة « لوباريزيان»، أن «الخاسرين ينوون الثأر في مباراة العودة»، أي في جولة الانتخابات التشريعية
- وتشير صحيفة «لوبينيون» الفرنسية، إلى أن استطلاعات الرأي تظهر أن من بين الفرنسيين %56 و%63 لا يريدون فوز فريق ماكرون في الانتخابات النيابية.
ومن جهة اخرى..تنفست واشنطن والعواصم الأوروبية الصعداء بضمان بقاء ماكرون لخمس سنوات أخرى داخل قصر الإليزية، أو بالأحرى عدم وصول لوبان إليه فى ظل ما تحمله سياساتها من تغييرات من شأنها أن تربك حسابات الغرب فى كثير من الأمور، أهمها فى الوقت الراهن الغزو الروسى لأوكرانيا.
- وقالت صحيفة «نيويورك تايمز»، إن حالة من الارتياح سادت أوروبا وواشنطن بعد الإعلان عن فوز الرئيس إيمانويل ماكرون فى انتخابات الرئاسة الفرنسية بعد خوض جولة الإعادة، فى ظل مخاوف من احتمالات صعود منافسته مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان المعادية للناتو وللاتحاد الأوروبى.
وذكرت الصحيفة أنه فى ظل لحظة حرجة فى أوروبا، مع استمرار القتال فى أوكرانيا بعد الغزو الروسى، رفضت فرنسا مرشحة معادية للناتو وللاتحاد الاوروبى وللولايات المتحدة، ومعادية لقيمها الأصولية التى تقر بضرورة عدم التمييز ضد أى مواطن فرنسى لأنه مسلم.
- وتقول الصحيفة إن الفرنسيين لا يحبون عادة رؤسائهم، ولم ينجح أحدهم فى أن يعاد انتخابه منذ عام 2002، ناهيك عن أن الفارق كان 17%. ويعكس إنجاز ماكرون غير المعتاد فى تأمين خمس سنوات أخرى فى الحكم، قيادته الفعالة لأزمة كورونا، وإنعاشه للاقتصاد وقدرته السياسية على احتلال وسط المجال السياسى بأسره.
