حزمة من العقوبات، قد تصل إلى حد الحصار والعزلة، تنتظر إقليم كردستان العراق، بعد تمسك قادته برغبتهم في الانفصال، والإصرار على إجراء الاستفتاء، في تحدي للساحتين الإقليمية والدولية.
وبلغت نسبة المشاركة في استفتاء الانفصال 72%، حيث شارك 3,3 مليون كردستاني من إجمالي 4,58 ملايين مسجلين على قوائم الناخبين، بحسب ما أفاد المتحدث باسم المفوضية الانتخابية شيروان زرار، ويتوقع صدور النتائج في غضون 24 ساعة، في ظل عدم استبعاد أن تكون الغالبية الكاسحة صوتت لصالح “نعم”.
العراق
وصف رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، إجراء الاستفتاء بأنه يعرض المنطقة كلها للخطر، مشيرا إلى أنه سيكون هناك ملاحقة قانونية لأي مبيعات من النفط من إقليم كردستان.
العبادي، في كلمة له اليوم الثلاثاء، أكد أن حقن دماء المواطنين أولوية للعراق، لكنه لا يعني عدم تطبيق الدستور، موضحا أن ما تم اتخاذه من إجراءات يتوافق مع الدستور لحماية وحدة العراق، وأنه لن يتم التفاوض على نتائج استفتاء كردستان.
وقال العبادي، إن العراق سيبقى موحدا، وإن الاستفتاء، الذي تم معدوم الشرعية والدستورية، وهو ما أكدت عليه مختلف دول العالم، واتخذ العبادي قرارا بغلق جميع الحدود البرية والجوية مع إقليم كردستان، وإيقاف كل الرحلات الجوية القادمة من الخارج إلى الإقليم، مؤكدا أن هذه الإجراءت ليست موجهة ضد المواطنين الكرد في شمال العراق.
وأمهل رئيس الوزراء العراقي إقليم كردستان 72 ساعة تنتهي يوم الجمعة، لتسليم المطارات والمنافذ الحدودية إلى حكومة بغداد.
رسالة طمأنة
وبعث العبادي برسائل طمأنة، قائلا “أطمئن الجميع أننا لن نمس كرامة أي مواطن بما فيهم المواطنين الكرد”، وتابع “نعترف بوجود عنصرية، ونعمل جاهدين للقضاء عليها”، موضحا أن العراق بلد ديمقراطي لم يجمد البرلمان ولم يطرد الوزراء.
غير أن مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، قال إن الأكراد أيدوا الانفصال في الاستفتاء، الذي أجراه الإقليم أمس في شمال العراق، ودعا برزاني الحكومة العراقية في كلمة تليفزيونية إلى الدخول في “حوار جاد، بدلا من التهديد” بمعاقبة حكومة الإقليم.
وأضاف بارزاني، “ربما نواجه مصاعب، لكننا سنتغلب عليها”، ودعا القوى العالمية إلى “احترام إرادة الملايين الذين صوتوا” في الاستفتاء.
تركيا
من جانبه، حذر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من خطر اندلاع “حرب إتنية وطائفية” في حال مضى إقليم كردستان العراق في مشروعه للانفصال عقب الاستفتاء الذي أجراه.
وفي تحذير وجهه إلى رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، قال أردوغان، إن منطقته تواجه خطر نقص المواد الغذائية والملابس إذا طبقت تركيا عقوبات ضدها.
وأضاف أردوغان، في خطاب تليفزيوني، في حال لم يتراجع (الرئيس الكردستاني مسعود) بارزاني وحكومة إقليم كردستان عن هذا الخطأ في أقرب وقت، فسيلازمهم تاريخيا عار جر المنطقة إلى حرب إتنية وطائفية”.
واعتبر أردوغان التصويت بمثابة “خيانة” بعد أن كانت العلاقات بين أنقرة وحكومة إقليم كردستان العراق شهدت تحسنا، ودعا أردوغان بارزاني إلى “التخلي عن مغامرة لن تكون نهايتها إلا سوداء”، بحسب تعبيره.
وأكد أردوغان أن تركيا، التي تخشى من انعكاسات التصويت على الأقلية الكردية لديها، ستنظر في جميع الخيارات، انطلاقا من عقوبات اقتصادية ومرورا بإجراءات عسكرية، وقال في ما يبدو أنها إشارة واضحة إلى تهديداته السابقة بإغلاق الحدود، “إن الخيارات جميعها مطروحة، وتجري مناقشتها، وستكونون أنتم (حكومة إقليم كردستان) محاصرين من لحظة البدء بتطبيق العقوبات”.
وكرر أردوغان تهديده بوقف صادرات نفط كردستان العراق عبر ميناء جيهان التركي، وقال الرئيس التركي “بمجرد إغلاقنا خط الأنابيب ستتبخر جميع عائداتهم” من دون تحديد موعد لتطبيق هذا الإجراء، مضيفا، عندما تتوقف الشاحنات التركية عن العبور إلى شمال العراق لن يجدوا ما يأكلونه أو يرتدونه، ماذا سترسل لهم إسرائيل ومن أين؟”.
وقال الرئيس التركي “من سيعترف باستقلالكم؟ إسرائيل.. العالم ليس كله إسرائيل”، مضيفا “يا شمال العراق، ماذا ستفعل وليس بجانبك إلا إسرائيل؟”، وأضاف محذرا كردستان العراق “عليكم أن تدركوا أن التلويح بالأعلام الإسرائيلية لن ينقذكم”.
كما أعلنت أنقرة أنها ستفعّل تعاونها مع الحكومة العراقية، ردا على الاستفتاء الذي ترفض بغداد الاعتراف بنتائجه، وفي مؤشر على التقارب بين أنقرة وبغداد، شارك جنود عراقيون اليوم الثلاثاء في تدريب عسكري تركي قرب الحدود العراقية.
وأعلن وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو، أن ممثل الحزب الديمقراطي الكردستاني في أنقرة، عمر ميراني، الموجود حاليا في أربيل، لن يكون بإمكانه العودة إلى تركيا، ونقلت وسائل الإعلام التركية عنه قوله “لو كان موجودا هنا لقلنا له أن يغادر البلاد”.
روسيا
موقف روسيا لا يزال غير واضح، حيث شددت موسكو على أهمية وحدة أراضي العراق، لكن شركة “روسنفت” الروسية العملاقة في مجال الطاقة، أعلنت عن عقود لبناء خطوط أنابيب للنفط والغاز في إقليم كردستان، الأمر الذي سيمكنه من تقليل اعتماده على تركيا.
سوريا
أعرب وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، استعداد بلاده للحوار مع الأكراد من أجل إقامة “إدارة ذاتية” مجددا، في الوقت ذاته أكد رفضه القاطع لاستفتاء إقليم كردستان العراق حول الانفصال، وتعد هذه المرة الأولى التي يبدي فيها مسؤول سوري انفتاحه على نقاش مسألة الإدارة الذاتية للأكراد، الذين أعلنوا بعد اندلاع النزاع السوري إقامة النظام الفيدرالي على مناطق سيطرتهم في شمال وشمال شرق سوريا.
وقال المعلم، في مقابلة أجراها مع قناة “روسيا اليوم” مساء الإثنين على هامش مشاركته في اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، نقلت مضمونها وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، إن السوريين الأكراد “يريدون شكلاً من أشكال الإدارة الذاتية ضمن حدود الجمهورية العربية السورية، وهذا الموضوع قابل للتفاوض والحوار”.
وأضاف “عندما ننتهي من القضاء على داعش يمكن أن نجلس مع أبنائنا الأكراد ونتفاهم على صيغة للمستقبل، وتعليقاً على الاستفتاء الذي أجراه أكراد العراق، اعتبر المعلم “أنه في العراق استفتاء للانفصال، وهذا الشيء مرفوض من قبلنا رفضا قاطعا، نحن مع وحدة العراق”، معربا عن رفض بلاده للاستفتاء الذي قال إنه “يؤدي إلى تجزئة العراق.
دول الغرب
دعت دول غربية عدة بينها واشنطن إلى العدول عن الاستفتاء في الوقت الراهن، لكن الضغوط لم تؤد إلى نتيجة، ففي نيويورك أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن قلقه إزاء احتمال أن يؤدي الاستفتاء إلى “زعزعة الاستقرار”، داعيا بغداد وأربيل إلى حل خلافاتهما عبر الحوار.
