معتصم الحارث الضوّي يكتب: أسباب ذعر النظام القطري من مؤتمر بروكسل
تفاجأت الأوساط الإعلامية بحملة قطرية شرسة على المؤتمر الدولي الذي سينعقد في بروكسل في الأول من فبراير/شباط 2018 بعنوان “الأزمة الدبلوماسية الخليجية: مكافحة تمويل الإرهاب”، والذي سيتطرق حسب إعلانه الرسمي إلى الأسباب الجذرية لتمويل واحتضان الجماعات الإرهابية، وتأثيرها في اندلاع وتأجيج الأزمة الخليجية الحالية. كما سيتناول استراتيجيات التصدي الأوروبي لقضايا الشفافية وآليات مكافحة الفساد، والقوانين الأوروبية الجديدة لمحاربة غسيل الأموال، والأطر القانونية الدولية ذات الصلة، والأبعاد الدولية لتلك القضايا.
هذا الهجوم فريد من نوعه لسببين، أولهما، وهو ما يثير الدهشة البالغة، أنه بخلاف العادة لم يُسند النظام القطري مهمة “اللعب الخشن” إلى المواقع الإلكترونية التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين، أو لأبواقه الإعلامية التي تدعي الحياد من قنوات تلفزيونية ومواقع إلكترونية وحسابات على منصات التواصل الاجتماعي، بل تولتها بشكل رئيس ومباشر الآلة الإعلامية الرسمية للنظام، صحف الوطن والراية والعرب والشرق مثالا، والسبب الثاني هو أن النظام القطري قد تجاوز هذه المرة حتى الخطوط الحمراء التي اختطها لنفسه، إذ جاء الهجوم شخصيا مقذعا، لم تقتصر الحملة فيه كما تعودنا على المشاركين فحسب بغرض إثنائهم عن الحضور، أو على المنظمين باعتبارهم رؤوس الفتنة المزعومة، بل، وهنا تكمن الخطورة، لأول مرة يوجّه نظام الحمدين سهامه المسمومة المباشرة إلى المتحدثين وهم نخبة من كبار المسؤولين والشخصيات الأوروبية.
كما تشير الزيادة الملحوظة في حدة الهجوم من قبل الصحف الأجنبية الممولة قطريا، والأقلام الصفراء التي لا تعرف الولاء إلا لأرصدتها المصرفية، إلى سعي محموم لإفشال المؤتمر، خاصة وأن المعلومات التي بحوزتنا تشير إلى أن مستوى المشاركة، وكذلك التغطية الإعلامية العربية والأجنبية، سيكون رفيع المستوى.
ثمة عامل آخر يثير الحنق القطري، فقد حاولت آلة البروباجاندا الفاشلة التابعة لهم تنظيم فعاليات مماثلة للدفاع عن نظام الحمدين، وخلق قاعدة من التعاطف الرسمي والمؤسسي معه، ولكن الفشل الذريع كان حليفهم الدائم، فمن الصعوبة على المؤسسات السياسية والمراكز البحثية الرصينة في أوروبا أن تربط مصائرها وسمعتها المرموقة بنظام أقل ما يُوصف به التواطؤ في تمويل واحتضان الإرهاب!
يرى المراقبون السياسيون أن الحملة الشعواء التي يشنها النظام القطري على المؤتمر الذي يُنظّم بشراكة بين مركز بروكسل الدولي للبحوث وحقوق الإنسان والمركز الدولي للتميز لمكافحة التطرف العنيف (هداية)، تنم عن تجذر عقلية القمع والإرهاب الفكري والمعنوي في آلة البروباجاندا القطرية التابعة لأجهزته الاستخباراتية مباشرة، وتكشف بما لا يدع مجالا للشك أن الخطاب المتشدق بحرية الكلمة والتعبير، المُتغني بقيم الديمقراطية وإتاحة الفرصة للرأي المخالف، والذي تصدح به قناة الجزيرة وأخواتها ليس إلا قول حق أُريد به باطل، وذرٌ لرماد مقيت في أعين الناس.
مع اقتراب تاريخ المؤتمر، أصبح جليا أن تلك الآلة الإعلامية قد فشلت، كديدنها دائما، في مساعيها للتشويش على المؤتمر، وبات واضحا أن خطابها العقيم لم يعد مؤثرا على الإطلاق رغم الأموال والموارد البشرية الطائلة.
إن تزايد وتيرة الهيجان على مؤتمر بروكسل وأي فعاليات مماثلة تستهدف إجلاء الحقيقة عن واقع الأزمة الخليجية ليُدلل بصورة قاطعة على تيقّن نظام الحمدين بأن الجهات المشاركة قد وضعت أصابعها على دلائل تكشف النقاب عن الدور القطري في تمويل واحتضان الإرهاب، وهذا يعني تغيّرا جذريا في المستقبل المنظور؛ حيث ستؤطر توصيات المؤتمر توجها أوروبيا رسميا يدمغ النظام القطري، مما يعني بدوره انهيارا شاملا على الصعيدين السياسي والدبلوماسي.
*كاتب واستشاري علاقات عامة سياسية – لندن
